أولت الأوساط الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بالمعلومات الصحافية التي أفادت بحصول حزب الله على صواريخ سكود من سوريا، فرأت أن الأمر تطور خطر على استقرار الشرق الأوسط، وعكست باهتمامها تبنياً غير مباشر لمضمونها. أبرزت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية تقريراً نشرته صحيفة «الرأي» الكويتية، مفاده أن سوريا زودت حزب الله بأسلحة متطورة، ومنحته حيزاً واسعاً. وعلى الرغم من أن الصحيفة الكويتية لم تحدد نوعية الأسلحة التي حصل عليها حزب الله، إلا أن الصحف الإسرائيلية قالت إن الأسلحة المتطورة هي صواريخ «سكود»، التي تستطيع أن تطال الأراضي الإسرائيلية كلها. تُظهر التغطية الإعلامية الواسعة في إسرائيل التي حظي بها تقرير الصحيفة الكويتية، والتي تعكس شبه تبنٍّ لمضمون التقرير، إضافة إلى موجة التصريحات وردود الأفعال التي صدرت عن عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، مدى الأهمية والخطورة التي توليها المحافل الإعلامية والسياسية والأمنية في إسرائيل لمضمون التقرير، وتأكيداً غير مباشر لما ورد فيه. يشهد على ذلك موقف وزير الدفاع إيهود باراك الذي رأى أن وصول هذه الصواريخ إلى لبنان يمثّل «خطراً على الاستقرار والهدوء» و«خرقاً سافراً» لقرارات مجلس الأمن. وأضاف باراك أنه «ليس لدينا نيات هجومية تجاه لبنان، وننصح الجميع بالحفاظ على الهدوء». وكانت صحيفة «الرأي» الكويتية قد ذكرت في تقريرها أن الإدارة الأميركية أجّلت إرسال السفير الجديد للولايات المتحدة إلى دمشق إثر نقل شاحنات تحمل وسائل قتالية متقدمة من سوريا إلى حزب الله. وقالت الصحيفة إن إسرائيل كانت على وشك ضرب الشاحنات المحملة بالصواريخ، لكنها تراجعت عن الأمر في اللحظة الأخيرة مفسحة المجال أمام المساعي الدبلوماسية. بحسب التقرير، نقل رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، السيناتور جون كيري، لدمشق، مطلع الشهر الحالي، رسالة من الإدارة الأميركية إلى القيادة السورية. وطلب كيري تفسيرات لما يحدث بين سوريا وحزب الله، وعبّر عن تحفّظ من التأييد السوري المتواصل لحزب الله. وقالت المصادر الأميركية للصحيفة الكويتية إن نوع السلاح الذي نقل إلى حزب الله كان يمكن أن يشعل حرباً بين إسرائيل والحزب. وتطرقت صحيفة «هآرتس» إلى التقرير على صفحتها الأولى، وقالت إن المشكلة في الجبهة الشمالية لا تزال على حالها، ورأت أن حزب الله يتابع التخطيط لانتقامه من إسرائيل لاغتيالها المسؤول الكبير عماد مغنية، ويواصل التزود بسلاح متقدم إيراني وسوري. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل عبّرت عن قلق في الماضي من إمكان أن يحصل حزب الله على صواريخ مضادة للطائرات تجعل من الصعب على سلاح الجو الطيران في سماء لبنان. ورأت هآرتس أن المعضلة الإسرائيلية الثابتة تتعلق بصورة الرد على تهريب السلاح، ذلك أنه رغم أن إسرائيل تتابع عمليات التهريب بقلق وتطلق تحذيرات، إلا أنه يصعب على حكومة نتنياهو أن تسوّغ في العالم، حتى في نظر الجمهور الإسرائيلي، عملية عسكرية مخططاً لها هدفها الحد من تعاظم قوة العدو، وخصوصاً أن العملية قد تسبب حرب لبنان ثالثة. وعنونت صحيفة «يديعوت أحرونوت» صفحتها الأولى: «حزب الله حصل على صواريخ سكود»، وكتبت في العنوان الفرعي: «الصواريخ نقلت من سوريا بهدف مهاجمة إسرائيل إذا هاجمت إيران». وذكر معلق الشؤون الأمنية في موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، رون بن يشاي، أن مصادر أميركية وإسرائيلية تقدّر أن سوريا زوّدت حزب الله بصواريخ أرض أرض متوسطة وبعيدة المدى من طراز سكود، تطال الأراضي الإسرائيلية، لكنه رأى أن حصول حزب الله على هذه الصواريخ لم «يكسر الميزان العسكري» بين الطرفين، لأن حزب الله يملك منذ مدة صواريخ متوسطة وبعيدة المدى تطال مدينة بئر السبع في الجنوب، لكن لهذه العملية دلالات «رمزية» تعزز من ثقة الحزب بنفسه. أضاف يشاي أن هذه المعلومات زادت من حدة التوتر في الحدود الشمالية. وحسب يشاي، فإن حزب الله هو التنظيم المسلح الوحيد في العالم الذي يملك صواريخ باليستية تمنحه الثقة والهيبة. أضاف: لو كان الحزب قد حصل فعلاً على أسلحة «كاسرة للتوازن» لخرج الجيش في عملية عسكرية للحد من تزود الحزب بهذه الأسلحة. ورأى يشاي أن الصواريخ التي يملكها حزب الله، أو قد يحصل عليها مستقبلاً، تعاني نقصاً واحداً، هو إمكان انكشافها وضربها من الجو، لذا من المتوقع أن يسعى الحزب إلى الحصول على صواريخ مضادة للطائرات للحد من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي في مواجهة مستقبلية. ولفت يشاي إلى تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بالقول إن حزب الله حصل على أسلحة «كاسرة للتوازن» من سوريا، وقدر أن باراك قصد أسلحة مضادة للطائرات، لا صواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وقاربت صحيفة «معاريف» تقرير الصحيفة الكويتية من زاوية الحديث عن نجاح حزب الله في مضاعفته بثلاثة أضعاف ترسانة الصواريخ التي في حوزته والوصول إلى نحو 30 ألف صاروخ من أنواع مختلفة. وأشارت الصحيفة إلى أن فرضية العمل في المؤسسة الأمنية في إسرائيل، هي أن الإيرانيين قد يشجعون حزب الله وحماس من غزة لإطلاق صواريخ من أنواع مختلفة إلى الأراضي الإسرائيلية لاجتذاب الانتباه العالمي وجعل تهديد المشروع النووي الإيراني صعباً على إسرائيل. واتهم الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود، قبيل مغادرته إلى فرنسا. وقال بيريز للإذاعة الإسرائيلية إن «سوريا تؤكد أنها تريد السلام، وتقدم في الوقت نفسه صواريخ سكود لحزب الله الذي ينحصر سبب وجوده بتهديد دولة إسرائيل». وحذر الرئيس الإسرائيلي من أن «سوريا تعتقد أنه ليس لديها ما تفعله سوى ترك العالم يجاملها عبر ممارسة اللغة المزدوجة القائمة على قول شيء وفعل عكسه. كل ذلك لن ينجح». من جهته، أعلن نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، متان فيلنائي، أن حزب الله يتسلح بالصواريخ بقدر استطاعته، لكنه لن يسارع إلى مهاجمة إسرائيل في أعقاب ما حدث في حرب لبنان الثانية. وقال فيلنائي لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «أُفضل عدم الدخول في التفاصيل، لكن ذلك يعكس الواقع الذي يحيط بنا مع أعداء يفعلون كل شيء ليعززوا أنفسهم وإسرائيل التي يجب عليها أن تكون مستعدة». أضاف أن «قدرات حزب الله على إطلاق النار تحسنت كثيراً، وهدفه الرئيسي هو ضرب المواقع الخلفية لإسرائيل». وكشف فيلنائي أن إسرائيل ستجري في نهاية الشهر المقبل تدريباً عسكرياً «لمواجهة هذا الواقع، كما فعلنا العام الماضي». وإذ رأى الوزير الإسرائيلي بيني بيغن أن إيرانوسوريا تسلحان حزب الله طوال الوقت، قال للإذاعة الإسرائيلية إن «الصواريخ والأسلحة من جميع الأنواع تصل من دون توقف إلى حزب الله بمبادرة مشتركة من إيرانوسوريا». وأشار بيغن إلى أن «منع إيران من الحصول على سلاح نووي هو مصلحة لجميع الدول الغربية». من جانبه قال اللواء في الاحتياط رام دور لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن وجود صواريخ سكود بحوزة حزب الله يمثّل «تغيراً كبيراً جداً». أضاف أن إسرائيل تعرف كيف تحافظ على قدراتها الهجومية إذا أصبحت بحوزة حزب الله صواريخ مضادة للطائرات، ورأى أنه في هذه الحالة «ستكون هناك حاجة إلى الهجوم فوراً». وقال مدير مشروع «الميزان العسكري في الشرق الأوسط» في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يفتاح شبير، لصحيفة «معاريف» إن هدف سوريا من تزويد حزب الله بأسلحة متطورة هو بعث رسالة بأن بحوزتها أسلحة بمقدورها «معاقبة إسرائيل إن جرؤت على مهاجمتها». في سياق متصل ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن دمشق رفضت قبل أشهر طلباً إسرائيلياً عبر قوة الأممالمتحدة المنتشرة في مرتفعات الجولان «الأندوف» بوضع آلية لمحادثات ثلاثية لإلغاء نقاط الاحتكاك على الحدود. بيريز يحرّض الفرنسيين قدم لبنان أمس إلى الأممالمتحدة في نيويورك (نزار عبود) قائمة أخرى بالخروق الإسرائيلية للقرار 1701 خلال كانون الثاني الماضي، في رسالة موجهة إلى كلٍّ من الأمين العام ورئيس مجلس الأمن الدولي. وتضمنت الرسالة 76 خرقاً جوياً وثلاثة برية و11 بحرياً. ولم تذكر الرسالة شبكات التجسس وأجهزتها التي ضبطت خلال تلك الفترة. ميدانيّاً، انتقلت الاستفزازات الإسرائيلية عند متنزهات الوزاني (عساف بو رحال) إلى ممارسة نوع جديد من الخروق في مكان آخر، هو أكثر خطورة، إذ اجتازت جرافة إسرائيلية صباح أمس الشريط الحدودي شرق بلدة العباسية إلى داخل الأراضي اللبنانية، وجرفت مساحة من الأراضي، ما أدى إلى استنفار نفذته وحدات الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، انتهى بانسحاب الجرافة. وقد واكبت الجرافة العسكرية قوة مشاة، فيما رابطت دبابتان إسرائيليّتان تحت أشجار الكينا قبالة العباسية خلف الشريط. وأفاد مصدر في قوات اليونيفيل بأن هذه القوات نقلت تحذيراً شديد اللهجة من الجيش اللبناني يقضي بضرورة انسحاب الجرافة والقوة المعادية فوراً تحت طائلة إطلاق النار. ويأتي الخرق الإسرائيلي الجديد الذي ينتهك القرار 1701، في نقطة سجّل لبنان تحفظاً عليها خلال عملية ترسيم الخط الأزرق في صيف عام 2000. من جهة أخرى، وصل أمس إلى باريس (بسّام الطيارة) الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، وسبقته موجة تصريحات تتهم سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ سكود، وترحب به باعتباره «صديق فرنسا الكبير»، كما وصفه الناطق الرسمي لوزارة الخارجية، برنار فاليرو، بتصريح رسمي. وسألت «الأخبار» فاليرو أن يعلق على «خرق إسرائيل للحدود اللبنانية»، فأعاد تكرار «الدعوة إلى تطبيق قرار الأممالمتحدة 1701 بكل مكوناته»، رافضاً الدخول في التفاصيل على أساس أن «القرار يشمل كل شيء». وعندما سئل عن «تسليم سوريا صواريخ سكود إلى حزب الله»، أجاب بأنه لا يملك معلومات، وتوسع بشرح القرار الذي ينص على «حظر الأسلحة إلى لبنان». ورأى أحد المقربين من دوائر القرار في الخارجية الفرنسية موقف باريس الراهن، ولا سيما من الكلام على تهريب السلاح من سوريا إلى حزب الله بأنه «رغبة في عدم التعكير على زيارة بيريز، وبهدف «تليين مواقف تل أبيب وعدم حشرها في الزاوية» و«تشجيع الإرادات الطيبة لدى المعتدلين»، إذ ترى هذه الدوائر أن «بيريز معتدل ومحبوب في الغرب». وسألت «الأخبار» المصدر ذاته عما إذا سيكون الأمر على حساب لبنان، فكشف أن باريس «قلقة من التصريحات المتبادلة من الأطراف كافة وتدعوها إلى الهدوء». أضاف: «لا مصلحة لأحد في أن ينفجر الوضع». ويفسر بأن «إسرائيل تعلمت من 2006 وساءت صورتها في الخارج من جراء الحرب على غزة» ولديها اليوم اهتمامات أخرى. وعقّب المصدر على «الخروق على الحدود اللبنانية التي حصلت بالتزامن مع وصول بيريز إلى باريس»، بقوله «إن السياسة في إسرائيل ليست أحادية المسار» (monolithique) يوجد كثيرون ممن يريدون «عرقلة مسيرة السلام». وأشار إلى إعلان مشاريع الاستيطان التي رافقت زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن لتل أبيب. إلا أن خبيراً سياسياً مقرباً جداً من ملفات الشرق الأوسط أشار إلى أن اهتمام إسرائيل بإيران يقف وراء «تحريك الجنوب اللبناني». وشدد على أن تحريك الجيش الإسرائيلي ليخرق الخط الأزرق ويدخل الأراضي اللبنانية لا يمكن أن يجري من دون «موافقة أعلى المراجع الحكومية» التي لا يمكن ألا تدخل في حساباتها زيارة بيريز لباريس «والعلاقة الخاصة التي تربط فرنسابلبنان». ومثّل حديث بيريز إلى صحيفة «لوباريزيان» تحريضاً على إيران، لكونه ليس موجهاً إلى دوائر القرار الفرنسية، بل إلى الرأي العام الفرنسي، وكأنه عملية تهيئة «لما يمكن أن يحصل على الحدود اللبنانية»، وما استعمال «سكود» إلا للوصول إلى هذا الهدف، إذ إن تعبير سكود يذكّر الرأي العام العالمي ب«ضربات صدام»، وبالتالي يُربط اسم حزب الله بهذه الذكريات.