بعد فشل اللوبي الصهيوني وإدارة أوباما في ابتزاز تركيا ودفعها للتراجع عن موقفها تجاه إسرائيل ، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية يوم الثلاثاء الموافق 6 يوليو / تموز أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقائهما بالبيت الأبيض ليعتذر لأنقرة . ونقلت الصحيفة عن مصدر حكومي أمريكي القول إن أوباما قلق جداً من تدهور العلاقات التركية - الإسرائيلية وإنه سيسعى لإقناع نتنياهو بالاعتذار .ويبدو أن هذا التطور يرتبط بفشل اجتماع بروكسل السري ، حيث نقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن مصادر مطلعة في واشنطن القول إن الاجتماع الذي عقد بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوجلو ووزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن إليعازر في بروكسل مطلع يوليو كان بضغط من أوباما. وبالنظر إلى تمسك أنقرة بالشروط التي وضعتها عقب مجزرة أسطول الحرية ورفض إسرائيل تنفيذها وخاصة ما يتعلق منها بالاعتذار وتقديم التعويضات للمتضررين ، فإن العلاقات بينهما كانت تسير باتجاه القطيعة النهائية وهو أمر لا يخدم مخططات أمريكا في المنطقة ، ولذا لم يجد أوباما من خيار سوى إجبار إسرائيل على الاعتذار لأنقرة . ولعل تهديدات أوجلو والتي جاءت قبل يوم من لقاء أوباما ونتنياهو بعثت برسالة واضحة لواشنطن أن تركيا لن تتراجع عن شروطها مهما كان الثمن . تهديدات أوجلو وكان أوجلو هدد بقطع العلاقات مع إسرائيل إذا لم تعتذر عن مجزرة أسطول الحرية ، وكشف في تصريحات لصحيفة "حرييت" التركية يوم الاثنين الموافق 5 يوليو أن أنقرة ستقطع علاقاتها مع إسرائيل في حال أصرت الأخيرة على رفض الاعتذار عن الغارة التي شنتها قواتها على "أسطول الحرية" وما لم تعوض المتضررين. وأضاف أن حكومته ستكتفي بالتحقيق الذي تجريه الحكومة الإسرائيلية ولن تصر على التحقيق الدولي إذا خلص إلى أن إسرائيل هي المسئولة عن سقوط الضحايا ويؤدي إلى اعتذار إسرائيل. وتابع " إذا خلصت تلك اللجنة إلى أن الهجوم كان غير شرعي وإذا اعتذروا فسيكون ذلك كافيا" ، إلا أنه أصر على أن بلاده ستواصل مطالبة إسرائيل بتعويضات. واستطرد أن بلاده أغلقت مجالها الجوي أمام جميع الرحلات العسكرية الإسرائيلية ردا على العدوان الإسرائيلي ، محذرا من احتمال توسيع نطاقه بحيث يشمل الرحلات المدنية أيضا . وبالنظر إلى أن ما سبق يعني احتمال تباعد تركيا تماما عن الغرب باتجاه توثيق علاقاتها مع إيران والعرب ، فقد سارعت واشنطن لإنقاذ حليفتها إسرائيل عبر الضغط على نتنياهو للاعتذار لأنقرة .
أحمد داود أوجلو وفي حال تحقق هذا ، فإن أنقرة تكون وجهت صفعة قوية للغطرسة الإسرائيلية وهو أمر سينعكس عاجلا أو آجلا على موازين القوى في المنطقة ولن تكون الكلمة الفصل في قضاياها المصيرية بيد إسرائيل وأمريكا كما كان يحدث في السابق . ويبقى الأمر الأهم وهو أن قيام نتنياهو بالاعتذار لأنقرة سيضاعف من شعبية رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان أمام خصومه العلمانيين ، كما سيعجل بإنهاء الحصار الخانق المفروض على غزة ، خاصة وأن الحكومة التركية اشترطت على إسرائيل رفع الحصار لتحسين العلاقات بينهما . بل ويبدو أن الاعتذار في حال تحقق سيكون الثمرة الوحيدة للقاء أوباما ونتنياهو في 6 يوليو ، حيث كشفت وسائل الإعلام الامريكية أن أوباما اجتمع مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض لاستكشاف سبل إجراء محادثات سلام مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وصرح مستشار البيت الأبيض دان شابيرو بأن من أهم القضايا التي ركز عليها الاجتماع ما أسماه التقدم الذي تم احرازه في المحادثات غير المباشرة وفرص الانتقال إلى المحادثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، بالإضافة إلى أزمة البرنامج النووي الإيراني ومسألة تخفيف الحصار عن قطاع غزة والمفروض عليه منذ أربع سنوات. وبالنظر إلى أن نتنياهو أعلن عشية زيارته لواشنطن أن إسرائيل رفعت الحظر على دخول البضائع الاستهلاكية لغزة ، فيما أبقت على مواد البناء محصورة بمشروعات الأممالمتحدة كما أبقت على الحظر على الصادرات من القطاع ، فإنه لا يتوقع أن يأتي لقاء أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بجديد في هذا الصدد خاصة وأن البيت الأبيض رحب على الفور بما أعلنه نتنياهو رغم أنه يعتبر التفافا على الإدانات الدولية ولا يخفف معاناة سكان غزة في شيء . وبالنسبة للاستيطان ، فإن وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية ليمور ليفنات أعلنت عشية لقاء أوباما ونتنياهو أن أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربيةالمحتلة ستستأنف في 26 سبتمبر / أيلول وهو موعد انتهاء مفعول القرار الذي جمدت حكومة نتنياهو بموجبه التوسع في تلك المستوطنات قبل عشرة أشهر استجابة لضغوط واشنطن . وأمام ما سبق ، فإنه ليس أمام الفلسطينيين والعرب سوى الإسراع بالتحرك لوضع حد لسياسة الاستيطان التي تلتهم ما تبقى من حقوق فلسطينية وعدم الارتكان في هذا الصدد لوعود أوباما ، خاصة وأنه كان تعهد إبان حملته الانتخابية بوقف الاستيطان وليس تجميده . كارثة جديدة ولعل ما يضاعف من الخطورة في هذا الصدد هو كشفت عنه منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية في 6 يوليو عن التهام المستوطنات نحو 42% من أراضي الضفة الغربيةالمحتلة . وجاء في تقرير للمنظمة المتابعة لحقوق الإنسان الفلسطيني بالأراضي المحتلة أن إسرائيل تعزز الاستيطان باستمرار حتى تضاعف ثلاث مرات منذ اتفاق أوسلو عام 1993 .
وأضاف تقرير "بتسيلم" أن الاستيطان يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان الفلسطيني وللقانون الدولي وحتى لقوانين الاحتلال نفسه ، واستند لخرائط ومعطيات رسمية مصدرها جيش الاحتلال نفسه ، قائلا :" توجد بالضفة 121 مستوطنة و100 نقطة عشوائية يقطنها نصف مليون مستوطن تقوم على 1% من مساحة الضفة الغربية لكنها تسيطر على مناطق نفوذ في محيطها تبلغ 42% من الضفة".
وكشف التقرير عن أكذوبة التمييز بين مفهوم "أرض خاصة" و"أرض عامة" تعتبر "أرض دولة" وفضح مبررات إسرائيل بالادعاء بأنها تبني المستوطنات على ما يعرف ب"أراضي دولة" فقط لا على أراض فلسطينية خاصة. وتابع "بعد معاينة خرائط جوية ومراجعة معطيات الجيش عام 2009 يتبين أن 21% من المساحة التي تقوم عليها المستوطنات ذاتها سرقت من أصحابها الفلسطينيين والبقية (66%) أراضي دولة".
وأكد أن المستوطنات أقيمت بطريقة تحول دون التطور المدني للبلدات الفلسطينية , في حين تمنع سيطرة الاحتلال على مصادر الماء تطور الزراعة الفلسطينية ، إضافة لتقييد حرية الحركة نتيجة حواجز عسكرية جاءت للدفاع عن أمن المستوطنين .
ووفقا للتقرير أيضا ، فإن الامتداد السرطاني للمستوطنات داخل الضفة الغربية يقطع أوصالها ويحولها لمجموعة جزر بما يحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ودائمة ، مشيرا إلى أن الاحتلال ورغم التزامه المعلن بخريطة الطريق عام 2004 فقد زاد منذ تلك السنة وحتى 2010 عدد المستوطنين ب28% فأصبح العدد 301200 مستوطن عدا القدسالمحتلة ، بدلا من 235263 مستوطنا .
وأضاف أنه منذ توقيع اتفاقات أوسلو تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية ثلاث مرات وهذا ما تستغله إسرائيل لتبرير النشاط الاستيطاني المحموم وكأنه جاء ليلبي احتياجات الزيادة الطبيعية ، متجاهلة هجرة الإسرائيليين للمستوطنات بدوافع سياسية أو اقتصادية.
وفضح التقرير تشجيع إسرائيل الاستيطان باعتمادها أجهزة خاصة واعتبار المستوطنات منطقة تطوير ذات أفضلية أولى بما يمنحها امتيازات خاصة بالسكن والتعليم المجاني والمواصلات والزراعة والصناعة والنظام الضريبي.
وطالب التقرير إسرائيل بتفكيك المستوطنات باعتبارها باطلة وغير قانونية مع المحافظة على حقوق المستوطنين كتعويضهم ماليا ، قائلا :" ريثما يتم ذلك ، نقترح القيام بتجميد حقيقي للبناء فيها والتوقف عن سلب أراض جديدة ووقف الامتيازات للمستوطنين " .
واختتمت "بتسيلم" تقريرها بالقول :" إن استمرار الاستيطان القائم على نظام تمييز ينخر أعمدة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية ويزعزع مكانتها دوليا".
ولم تقف الكارثة عند ما سبق ، حيث كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" بالتزامن مع لقاء نتنياهو وأوباما أن الإدارة الأمريكية تمنح تسهيلات ضريبية للمتبرعين للمستوطنات ، موضحة أن أمريكيين تبرعوا بمائتي مليون دولار للمستوطنات في العقد الأخير . والخلاصة أن لقاء أوباما ونتنياهو لن يسفر عن قرارات ذات أهمية فيما يتعلق بحصار غزة وعمليات الاستيطان وهذا ما يجب أن يعيه الفلسطينيون والعرب . محيط