شهداء بينهم أطفال إثر غارات ليلية على غزة وتصنيف جباليا وبيت حانون "منكوبتين"    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    جماعة الحوثي تطلب تدخل هذا الطرف الدولي لوقف تصعيد الشرعية وقرارات "مركزي عدن"    ضربات هي الإعنف على الإطلاق.. صحيفة تكشف عن تغير أسلوب ''التحالف'' في التعامل مع الحوثيين    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    بالصور.. باتشوكا يحصد لقب دوري أبطال الكونكاكاف    جدول مباريات وترتيب مجموعة منتخب الإمارات في تصفيات كأس العالم 2026    القبض على أكثر من 300 أجنبي في مديرية واحدة دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية    يقتل شقيقه بدم بارد.. جريمة مروعة تهز مارب    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    فضيحة حوثية تُثير موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي و تُهدد الاقتصاد (صورة)    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العقيبي :حرب 94م اقصت اكبر احزاب اليسار وأطراف النظام انقضت على اليسار ومحاصرته
نشر في الاشتراكي نت يوم 31 - 08 - 2013

قال الاستاذ عادل العقيبي أن اليسار اليوم لم يعد تعبيراً عن ايدلوجيا أو طبقة دون غيرها بقدر ما أصبح تياراً شعبياً عاماً يرفع صوته عالياً مطالباً بالعدالة الاجتماعية وبالحرية والكرامة الانسانية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية للجميع.
واضاف العقيبي خلال ورقة عمل قدمها في "مؤتمر اليسار اليمني للعدالة الاجتماعية " أن اليسار اليمني غير قادرة على انتاج مساحات جديدة للنضال الاجتماعي والسياسي المشترك بينها كقوى يسارية تحديداً.
واشار في ورقته المعنونه " اليسار .. الواقع والتحديات المستقبلية" الى ان حرب صيف 1994م خلفت أثاراً كارثية حيث أقصي أكبر أحزب اليسار وبدأت أطراف النظام في الانقضاض على اليسار ومحاصرته.
وقال العقيبي ان واقع اليسار اليمني اليوم يقتضي وقفة تقييمية صادقه يمكن أن تفتح آفاقاً وأبواباً للعبور والمشاركة الفاعلة في رسم ملامحه وقيادة تحولات المستقبل.
واوضح ان السمة الأساسية لليسار هو تبنيه لقضية العدالة الاجتماعية فعليه تحديد وتوضيح مفهوم العدالة الاجتماعية وآليات الوصول الى تحقيقها.
واضاف العقيبي ان الاشتراكية لا تستهدف مجرد تجاوز التخلف الاقتصاد إنما هى تجاوز شامل للتخلف كظاهرة مركبة يعانى منها الفرد والمجتمع.
نص ورقة العمل :
اليسار .. الواقع والتحديات المستقبلية
أطلق مصطلح اليسار أول ما أطلق للدلالة على كتلة سياسية نسبة الى المكان الذي كانت تجلس فيه على يسار مقعد رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية تعبيراً عن موقفها المعارض للملكية قبيل الثورة الفرنسية ،ليصبح بعد ذلك تقليداً يمارسه ممثلو المعارضة في قاعات البرلمانات معبرين بمواقعهم المكانية عن مواقفهم السياسية من الحكومات القائمة ، وهكذا كان أقصى ما يدل عليه الموقف اليساري هو المعارضة أو الرغبة في التغيير - تغيير الحكومات - ثم انتقل التعبير للدلالة على الكتل والاتجاهات والتيارات المطالبة بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي ، ونظراً لأن النظام الرأسمالي كان هو السائد في أوربا آنذاك فقد أصبح مصطلح اليسار يطلق على التيار الاشتراكي الذي بدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر ولا يزال يقارع النظام الرأسمالي ويفضح عاهاته وأمراضه ، ليصبح الاشتراكيون بذلك هم اليسار التقدمي والرأسماليون هم اليمين الرجعي ومع ظهور العديد من التيارات التي تبنت الاشتراكية كحل للمعضلة الاقتصادية والاجتماعية ، وظهور تيارات أخرى يمينية أقل سطوة وحدة من الرأسمالية تعدد اليسار وتعدد اليمين ليصبح لكل يمين يسار ويمين ولكل يسار يمين ويسار وغادر البعض موقعه من اليسار الى اليمين والعكس كذلك الا ان قوى اليسار ظلت لعقود هي التعبير الأصدق عن أمال وتطلعات الفئات الشعبية المسحوقة , و خلال العقد الأخير من القرن العشرين شهد العالم تحولات اقتصادية وسياسية واجتماعية هائلة بدأت بانهيار نظام الثنائية القطبية وبروز هيمنة قطب واحد على مجريات السياسة والاقتصاد في العالم تحت مسمى "النظام العالمي الجديد" , ورغم أن البعض ذهب الى القول حينها بنهاية اليسار ..الا أن الواقع يخالف ذلك تماماً فهو يؤكد كل يوم على أن اليسار ودوره أصبح ضرورة موضوعية للوقوف أمام سياسات الافقار التي مارسها وفرضها ما يسمى ب" النظام العالمي الجديد" عبر صندوق النقد والبنك الدوليين وهي سياسات أدت الى تزايد الفجوة بين المجتمعات الغنية والفقيرة وأفضت الى تخلي الدول عن دورها الاجتماعي في توفير الخدمات الاساسية والرعاية لمواطنيها وصولاً الى انتاج المزيد من البطالة والفقر .
والمتمعن قليلاً في الواقع العربي وما شهده من ثورات شعبية خلال الاعوام الثلاثة الماضية سيلحظ حتماً أن اليسار كان حاضراً هناك بحسه الاجتماعي .. بشعاراته .. حتى بأناشيده وأغانيه لكنه كان شبه غائب كأطر حزبية منظمة .. كان حاضراً كتعبيرٍ عن المصالح الشعبية العريضة لا كتعبيرٍ عن الايدلوجيا التي ظل بعض اليسار يتمترس خلفها في مواجهة البعض الآخر منه , ولأن هذا اليسار لم يكن انحيازاً للمقولات بقدر ما كان انحيازاً للواقع فإننا سرعان ماكنا نجد انه عندما كانت الايدلوجيا تحضر كانت الثورة تخفت والعكس صحيح , فيسار اليوم لم يعد تعبيراً عن ايدلوجيا بذاتها أو طبقة دون غيرها بقدر ما أصبح تياراً شعبياً عاماً يرفع صوته عالياً مطالباً بالعدالة الاجتماعية وبالحرية والكرامة الانسانية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية للجميع ، وبأوسع مفهوم ممكن.. انه يسار جديد تجاورت فيه تيارات اليسار بعد أن تجاوزت عقد الأيدولوجيات والتحمت مع جماهير شعبية عريضة التقت بها لأول مرة في ساحات وميادين الثورة لتتوحد معها تحت سقف مطالب ثورية لا يخفى للعيان يسارية نزعتها .. اننا أمام يسار يتخلق من رحم المعاناة الأمر الذي يحتم على قوى اليسار المنظمة أن تحمل على عاتقها مسؤولية رعاية هذا اليسار وحمايته.. هذا اليسار الذي يبشر بأنه اليسار القائد للجماهير الشعبية المطحونة والمعبر عن مطالبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .. اليسار القادر على صنع وقيادة التحولات وصون المكاسب الوطنية .. فهل لدى قوى اليسار المنظمة أو بعضها القدرة على ذلك ؟
• المسارات القريبة التي صنعت واقع اليسار اليمني اليوم
1- رغم أن مراجعات عديدة قد تمت من قبل فصائل تنتمي الى اليسار اليمني لمسيرتها وشعاراتها الأمر الذي كان يفترض معه تقارباً أكبر بين اطرافه الا أن العلاقة بينها لازالت محكومة بما قبل تلك المراجعات وغير قادرة على انتاج مساحات جديدة للنضال الاجتماعي والسياسي المشترك بينها كقوى يسارية تحديداً.
2- في العديد من المحطات التي كان لها أن تكون محطات فارقة في حياة اليمنيين بدأ وكأن اليسار لم يكن معنياً بالتقاطها والتفاعل معها وقيادة التحولات التي كان لها ان تكون ,فأضاع بذلك فرصاً لن تتكرر لصنع تحولات جذرية وعميقة في بنية المجتمع اليمني وثقافته ,لعل أبرز تلك المحطات :
• محطة انجاز الوحدة اليمنية في العام 1990م فالوحدة التي ظلت لعقود طويلة حلماً لكل اليمنيين وتصدرت قائمة الاهداف والمهام الوطنية عند كل القوى اليمنية , لا لأنها تعبير عن لحظة التئام الجسد اليمني بعد معاناة طويلة من ليل التشطير فحسب بل لأنها كانت اللحظة التاريخية التي يمكن لها أن تؤسس للمشروع الوطني الديمقراطي التقدمي الذي انتظره اليمنيون طويلاً ذلك المشروع الذي كان له أن يعيد فرز القوى الوطنية ويعمل على انتاج تحالفات ومصالح جديدة لليمنين .
• كما لم يحسن اليسار استغلال الفترة الانتقالية التي سبقت الانتخابات النيابية في 27 ابريل 93م في تعبئة الجماهير وصولاً الى خلق اصطفاف عريض يمثل الكتلة التاريخية التي سيناط بها انجاز المشروع الوطني الديمقراطي التقدمي والدفاع عنه ,
• في الانتخابات النيابية الأولى في 27 ابريل 93م أهدر اليسار الفرصة الأخيرة قبل حرب صيف 1994م عندما خاض الانتخابات ممزقاً.
3- خلفت حرب صيف 1994م أثاراً كارثية حيث أقصي أكبر أحزب اليسار وبدأت أطراف النظام في الانقضاض على اليسار ومحاصرته .
ان واقع اليسار اليمني اليوم يقتضي وقفة تقييمية ,ان صدق فيها مع نفسه يمكن له أن يفتح آفاقاً وأبواباً للعبور الى المستقبل والمشاركة الفاعلة في رسم ملامحه وقيادة تحولاته مالم فانه سيكون قد أضاع على نفسه الفرصة الأخيرة وانكفأ على نفسه , وفي اعتقادي أن تحديات عديدة تقف أمامه وتلقي على عاتقه مسؤوليات اضافية منها :
1- تطوير البنى التنظيمية لأحزابه وتعزيز الديموقراطية الداخلية فيها
2- إنشاء قناة فضائية متخصصة بقضايا اليسار
3- عدم التنافس بين مرشحي مكونات اليسار في أي عملية انتخابية والاتفاق على قائمة موحدة بمرشحي اليسار
4- التحديد الواضح للقضايا التي يناضل اليسار من أجلها ,وبما أن اليسار بقواه المتعددة هو النبتة الطبيعية للجماهير الشعبية التي يدافع عن قضاياها فلابد عليه ألا يكون على قطيعة مع الهوية الجامعة لها والا يحدث قطيعة بين المجتمع المنشود وبين تاريخ الأمة وعقلها وعقيدتها , فالملاحظ أن بعض اليساريين يريد اعادة الأخطاء السابقة التي عانت منها بعض مكونات اليسار سابقاً من خلال ربط اليسار بالعلمانية كتقليد لليسار في المجتمعات الغربية , ورغم ايماني بان العلمانية عند الكثيرين منهم ليست الا مدخلا للديموقراطية والعقلانية، والفكر العلمي، والحرية، ولا تستهدف أبدا الدعوة الى الانعتاق من الدين، أو التخلي عنه ومحاربته، أو تجاوزه، الا أن ربط اليسار ونضاله بمفهوم العلمانية لن يعني الا شيئاً واحداً هو ابعاد اليسار عن شعبويته واعادته الى مربع الانكفاء على النفس مرة أخرى فالعلمانية ليست حلاً لأي من القضايا التي يناضل اليسار العربي عامة واليمني خاصة من أجلها ولابد أن يفرق هؤلاء بين جوهر الدين الاسلامي الذي يعد ثورة اجتماعية استهدفت شرف الانسان وسعادته وبين الفكر الديني وهو ما تنبهت له الناصرية احدى فصائل اليسار مبكراً عندما حددت بوضوح الفارق الجوهري بين الدين وبين الفكر الديني ،فالدين كمعتقدات وشعائر له قدسيته وله مكانته السامية . لكن الفكر الديني كجهد بشرى إنساني يسعى إلى تفسير النصوص بحيث تبدو ملائمة ومتوائمة مع المتغيرات في العصر والمجتمع ،إنما هو رؤية بشرية للدين تحتمل الصواب والخطأ ،وتتغير مع تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والناس .. ومن ثم فلا قدسية له . وهو خاضع للمناقشة والنقد والفرز . وتؤكد الناصرية إدراكها بأن ما يحدث من تصادم بين الدين وبين الحياة سببه " محاولات الرجعية أن تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم ،وذلك بافتعال تفسيرات له تتصادم مع حكمته الإلهية السامية " .. و بالنظر إلى الإرث الملتبس الذي ينوء تحته مصطلح العلمانية ، مثل نشأته الغربية في ظروف اجتماعية وتاريخية مغايرة لظروف الواقع العربي ، وارتباطه في اذهان الكثيرين بالإلحاد.. وبالنظر إلى رسوخ القيم الدينية بشكل عام ، والإسلامية بشكل خاص في وجدان الإنسان العربي ونمط حياته اليومية وهو الأمر الذي يقدم سلاحاً مجانياً لقوى الرجعية في محاربة ومحاصرة قوى الحداثة والتغيير ، فإن العلمانية كمصطلح لا يخدم مهام التغيير في مجتمعنا العربي .
5- ولأن السمة الأساسية لليسار هو تبنيه لقضية العدالة الاجتماعية فعليه تحديد مفهوم العدالة الاجتماعية وآليات الوصول الى تحقيقها .. وتحقيقاً لهذا الوضوح فسأستعرض مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر الناصري
فمجتمع العدالة الاجتماعية هو المجتمع الذي تختفي فيه الامتيازات التي تتمتع بها مجموعات محددة. ويسود فيه مبدأ تكافؤ الفرص ليكون الجميع متنعمين بأوضاع مادية تلبي احتياجاتهم وتكون بينهم مساواة اجتماعية فإذا كان "تكافؤ الفرص" هو جوهر "العدالة"- على النحو السابق ذكره- فإن لهذا الجوهر مقومات واقعية من المفترض وجودها حتى تتوافر البيئة المناسبة لإعمال مبدأ العدالة، ومن أهم تلك المقومات: المقوم الاقتصادي الذي يعني توفير الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة الكريمة، ويعني كذلك وضع سياسة عامة للثروة القومية من حيث طرق اكتسابها وكيفية التصرف فيها، وحق الدولة في التدخل لتحديد الملكية، وإعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة. كما أن تحقيق العدالة الاجتماعية يقتضي جملة من السياسات والإجراءات التي تتخذها السلطة الحاكمة باسم الدولة بهدف تذويب الفوارق بين الطبقات، وحصرها في حدودها الدنيا، وإعادة توزيع الثروة، ودعم عديد من الخدمات والسلع وجعلها في متناول القطاعات العريضة من المواطنين. ومن كل ما تقدم فان مفهوم العدالة الاجتماعية في الناصرية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاشتراكية ,والحرية ,والديمقراطية والتنمية المستقلة ,والاستقلال الوطني .. فالاشتراكية في الفكر الناصري لا تقتصر على مجرد توزيع الثروة الوطنية بين المواطنين بما يحقق العدل ويصفى الفروق الطبقية؛ إنما هي تعنى قبل ذلك بالنسبة لامتنا توسيع قاعدة هذه الثروة الوطنية بحيث تستطيع الوفاء بالحقوق المشروعة لجماهير الشعب العامل، وذلك ما يعطى الاشتراكية في الناصرية دعامتيها وهما الكفاية في الإنتاج والعدالة في التوزيع. والاشتراكية لا تستهدف مجرد تجاوز التخلف الاقتصادي إنما هي تجاوز شامل للتخلف كظاهرة مركبة يعانى منها الفرد والمجتمع .. فالاشتراكية هي منع استغلال الإنسان للإنسان.. وهي خلق الظروف والدوافع وتطوير المجتمع حتى يجد الإنسان كفرد والمجتمع كمجتمع كل الإمكانيات المادية والفكرية والروحية وهذا عمل لا ينتهى لأنه باستمرار عندما تتحقق مرحلة تنتظرها مرحلة أخرى. ان هذا الفكر لديموقراطية كل الشعب هو البديل عن ديكتاتورية الطبقات المستغلة وهو البديل في ذات الوقت عن تسلط الصفوة أو النخبة.
ان المجتمع الاشتراكي هو القادر على إطلاق الطاقات المبدعة للفرد والجماهير. وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين هو الضمان لإطلاق كافة الطاقات التي حبستها وعطلتها ظروف الاستغلال الطبقي وتسلل الرجعية. ان تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين يتأكد حين يستقر لدى الجميع ان العمل هو المعيار الوحيد للقيمة الإنسانية ولمكانة الفرد الاجتماعية. وان تكافؤ الفرص يتأكد بكفالة حق كل مواطن في الرعاية الصحية غير المشروطة بثمن مادى، وفى العلم بقدر ما يتحمل استعداده ومواهبه، وفى العمل الذى يتناسب مع كفايته واستعداده مواهبه، والعلم الذى تحصل عليه وفى التأمينات ضد الشيخوخة والمرض ولأن العدالة الاجتماعية تعني السعي لتمكين المواطن من حماية آدميته، حيث يتوافر له الحد الأدنى للكفاف الاقتصادي والمعيشي، كما تعني أيضاً احترام الوجود الذاتي لمختلف التكوينات الاجتماعية، وهنا تتداخل مضامين العدالة الاجتماعية مع مضامين العدالة السياسية، ويصعب- في الواقع- الفصل بين هذه وتلك ولذا فكما ترتبط العدالة الاجتماعية في الفكر الناصري بالاشتراكية فإنها ترتبط ايضاً بالحرية .. حرية الوطن والمواطن فاذا كانت حرية الوطن السياسية هي المقدمة العملية لحرية المواطن فالحرية للمواطن اجتماعيا وسياسيًا هي التنمية والضمان لحرية الوطن. ان حرية المواطن لا تتحقق الا بتحقيق حريته الاجتماعية وحريته السياسية فان كانت الديموقراطية هي الحرية السياسية فان الاشتراكية هي الحرية الاجتماعية ولا يمكن الفصل بين الاثنين. انهما جناحا الحرية الحقيقية وبدونهما أو بدون أي منهما لا تستطيع الحرية ان تحلق إلى آفاق الغد المرتقب.
ونستطيع أن نفهم هذا الارتباط من خلال ما حددته الناصرية من معالم للديموقراطية الحقيقية تتمثل في:
أولا: ان الديموقراطية السياسية لا يمكن ان تنفصل عن الديموقراطية الاجتماعية ولا يستطيع المواطن ان يمارس حريته السياسية قبل ان يتحرر من الاستغلال في جميع صوره، وان تكون له الفرص المتكافئة في نصيب عادل من الثروة الوطنية، وان يتخلص من كل قلق يهدد أمن المستقبل في حياته، ولأن الاشتراكية هي الطريق الوحيد لتحقيق الحرية الاجتماعية فانه لا يمكن ان تقوم ديموقراطية سليمة الا في مجتمع اشتراكي.
ثانيًا: ان الديموقراطية السياسية لا يمكن ان تتحقق في ظل طبقة من الطبقات ان الديموقراطية حتى بمعناها الحرفي هي سلطة مجموع الشعب وسيادته. وهذا يعنى ان الديموقراطية في مجتمع الفروق الطبقية لا يمكن الا ان تكون ديموقراطية زائفة تخفى ديكتاتورية طبقة من الطبقات الرجعية المستغلة وتسلطها. ان إسقاط تحالف الطبقات المستغلة وتجريدها من الثروة هو شرط أساسي لتحقيق الديموقراطية السليمة.
ثالثًا: ان الديموقراطية السليمة تتحقق بإقامة ديموقراطية كل الشعب العامل التي تقوم على تحالف قوى الشعب العامل الممثلة للأغلبية الساحقة من الجماهير العربية بقيادة الفلاحين والعمال وضمان نسبة 50% على الأقل من مقاعد التنظيمات الشعبية والسياسية على جميع مستوياتها بما فيها المجلس النيابي باعتبارها أغلبية الشعب. وتتأكد ديموقراطية كل الشعب العامل بتأكيد سلطة المجالس الشعبية المنتخبة فوق سلطة أجهزة الدولة التنفيذية؛ كذلك فإن الحكم المحلى يجب ان ينقل سلطة الدولة إلى أيدى السلطات الشعبية.
ولا بد ان تكفل الحرية الكاملة للتنظيمات النقابية والتعاونية لكل قوى الشعب العامل لأنها ضمانًا لتعميق الممارسة الديموقراطية وضمان المشاركة السياسية للجماهير الواسعة في كافة قواعدها ولابد من جماعية القيادة التي هي تأكيد للديموقراطية في اعلى المستويات. منظومة سياسات العدالة الاجتماعية:
إذا كانت ملكية الشعب لوسائل الإنتاج الاساسية تعد متطلباً أساسياً للعدالة الاجتماعية فإن تجسيدها على أرض الواقع غير ممكن بدون منظومة سياسات يقع في أساسها ما يلي:
أ- سياسات الإنتاج السلعي الرأسمالي والاستهلاكي بما فيه المنتجات الثقافية وتسعيرها، وتشمل تحديد دائرة السلع العامة المطلوبة، وذلك بهدف إمداد الجمهور بالسلع والخدمات الأساس، وعلى وجه التحديد: الاحتياجات الغذائية الأساس والخدمات التعليمية، والخدمات الصحية، والإسكان اللائق، والمواصلات العامة، والثقافة والترفيه.
ب- سياسات الأجور والأسعار: وتقوم أساساً على تأمين حق العيش الكريم على مقتضى مبدأ الخبز مع الكرامة ومنه الحق في الحصول على عمل منتج، والحق في أجر مناسب لقوة العمل بما يمنع استغلالها، ويضمن حداً أدنى للأجور يدفع عنها على الأقل غائلة التضخم، وبالمقابل لابد من سياسات للأسعار في مجال الاستهلاك الضروري تحقق التناسب في منظومة الأجور والأسعار، وبصفة خاصة لدى ذوي الدخل المحدود، وتضمن منع استغلال المستهلكين، وتضع حداً لممارسات التسعير الاحتكاري في فروع النشاط الاقتصادي كافة. ولابد في هذا السياق من تقوية المالية العامة للدولة بحيث تصبح قادرة على توفير جانب كبير من السلع الأساس للطبقات الوسطى ومحدودة الدخل بأسعار تتناسب وقدرتها الشرائية.
ج - إعادة توزيع الدخول من خلال السياسات المناسبة بما يحد من الاستقطاب الطبقي فيه، والواقع أن الفجوة في الدخول تفاقمت إلى حدٍ بات يهدد الاستقرار الاجتماعي ومن ثم السياسي، وذلك نتيجة الولوج غير الرشيد في نهج ما يسمى بالخصخصة، واستباحة المال العام في غيبة الرقابة الديمقراطية وشيوع الفساد.
ويتطلب العمل على إعادة توزيع الدخل عدداً من الإجراءات من أهمها:
أ - إعادة هيكلة النفقات العامة، حيث تقوم هذه بدورٍ هام في إعادة توزيع الدخل، ولا سيما النفقات التحويلية التي تستمد أهميتها من تأثيرها في إعادة توزيع الدخل القومي. ويقع في قلب النفقات العامة المطلوبة دعم الدولة للسلع والخدمات، وخاصة تلك التي يستهلكها السواد الأعظم من المواطنين.
ب - التدخل لتنظيم العلاقات الإيجارية بين المُلاَّك والمستأجرين بما يضمن تأمين حق السكن في إطار من العدالة والاستقرار للمستأجرين.
ج - توفير الحقوق التأمينية ضد البطالة، وحوادث العمل، والعجز الكلي أو الجزئي بحسبانها من حقوق الإنسان الأساس. وتقوم صناديق التأمين والضمان الاجتماعي بدورٍ هام في تأمين الإنسان ضد مخاطر الحياة والخوف من المستقبل. ولذا، فإن شمول التغطية التأمينية لكافة المخاطر المرتبطة بمجريات الحياة اليومية من ناحية، ومخاطر المستقبل من ناحية أخرى، يعتبر من أهم عناصر منظومة العدالة الاجتماعية، التي تشكل الأساس المادي والمعنوي لمفهوم الأمان الاجتماعي والإنساني.
د - إعادة تكييف السياسات الضريبية بحيث تتجه إلى تقليص الفوارق بين الدخول والثروات في المجتمع العربي وإلى الحد من الفوارق الطبقية.
ه - إحياء دور الحركة التعاونية – بشقَّيْها الإنتاجي والاستهلاكي. وكذلك تنمية الشراكة مع قطاع الأعمال ومنظمات المجتمع المدني, واعتماد مبدأ التفاوض بين الحكومة والقطاع الخاص بهدف إحاطة مصالح العاملين بمزيد من الحماية، وربما يمكن التفكير في تضمين تلك الشروط في قوانين الاستثمار. وتفعيل دور النقابات العمالية والمهنية والاتحادات النوعية مع ضمان تمثيلها في المؤسسات العامة ذات الصلة رعاية لمصالح الطبقات والفئات والجماعات التي تعبر عنها.
و- التأكيد على ضرورة التزام السياسات التعليمية بضمان عدالة الفرص أمام المواطنين في مجال التعليم والتوظيف على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية ومواقعهم الطبقية، باعتبار ذلك الالتزام ضرورة لا غنى عنها لضمان الحراك الاجتماعي على أساس عادل.
ز- امتداد العدالة الاجتماعية لتشمل العدالة على أساس النوع وذلك بوضع استراتيجية قومية للنهوض بالمرأة العربية في جميع المجالات، والعمل على تطوير قانون عربي للأسرة يضمن الحقوق الكاملة لكل مكوناتها. وكذلك امتداد العدالة الاجتماعية لتشمل العدالة بين أقاليم الدولة قطرية كانت أم قومية بما يوفر قاعدة للتماسك الاجتماعي .
• بعض الآليات لتعزيز العدالة الاجتماعية:
لا شك أن البنية المواتية لملكية وسائل الإنتاج ومنظومة السياسات المتكاملة التي أشير إليها سلفاً سوف تضمن توفير المقومات الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية في هذا الصدد منها:
أ- إحداث صناديق لمكافحة الفقر على الصعيديْن الوطني والقومي، وذلك لمنع إعادة إنتاج الفقر في الفئات والطبقات والمناطق الفقيرة.
ب- تفعيل دور "صناديق الزكاة" و"مؤسسة الوقف في ضوء ما أكدته الخبرة العربية الإسلامية بما يحقق درجة أكبر من الرعاية والتكامل بين المواطنين ويعزز دورهما في دورهما في مواجهة غائلة الحاجة.
• المطالب الاساسية لتحقيق لعدالة الاجتماعية :
1- وضع حد أدنى للأجور يكفل أساسيات الحياة الكريمة لكل مواطن ومراقبة توازنها مع ارتفاع الأسعار بشكل دوري .
2- وضع القوانين التي تكفل حقوق العمال وتمنع الفصل التعسفي وتنظم حرية العمل النقابي وحق الإضراب بما لا يضر بالصالح العام .
3- ضمان تكافؤ الفرص من خلال كفالة حق التعليم والعمل والصحة والثقافة .
4- توفير مظلة واسعة من التأمينات الاجتماعية تشمل التأمين ضد إصابات العمل والبطالة والمرض والتقاعد .

5- سياسة ضريبية عادلة تأخذ بمبدأ التصاعدية وتحقق التكافل الاجتماعي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.