سجل الدولار الأمريكي ارتفاعاً قياسياً أمام العملة الوطنية اليمنية التي تشهد انهياراً متسارعاً منذ أسابيع. إذ سجل الدولار الأمريكي سجل منذ تداولات أول ايام أكتوبر الجاري رقماً قياسياً في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات, فقد وصل سعر صرف الدولار الأمريكي في اليوم الأول 383 ريال، وواصل ارتفاعه في ثاني ايام اكتوبر ليصل 389 فيما وصل سعر الريال السعودي 100 ريال. ويشهد الاقتصاد اليمني منذ سيطرة الانقلابين على صنعاء في سبتمبر ,2014 انهيارات متواصلة في كافة الجوانب وصلت حد توقيف رواتب موظفي الدولة منذ زهاء العام, في واقعة ربما لم تشهدها دولة على مدى التأريخ القديم والحديث. وبات الاقتصاد اليمني هو الخاسر الأكبر من هذه الحرب فقد انعكس التردي الاقتصادي في أزمة السيولة والعجز عن دفع الأجور، وتوقف التحويلات المصرفية إلى الخارج وظهور مؤشرات المجاعة وانعدام الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة، بالإضافة إلى تراجع حركة الملاحة . ويرى خبراء الاقتصاد أن ثمة عوامل خطيرة تهدد البلد بأكمله وليس الريال اليمني فقط، أولها نفاذ الاحتياطي النقدي، وثانيها ارتفاع نسبة العجز، ثم ارتفاع مديونية الحكومة، إضافة إلى الدين الداخلي على وجه الخصوص، والذي سيمثل عقبة لا يمكن تجاوزها في القريب العاجل وستكون عواقبها وخيمة على رأس المال المحلي المعتمد على السندات والأذون والصكوك، بما في ذلك الصناديق الائتمانية والبنوك التجارية وشركات الصرافة وغيرها, فيما بلغ حجم الدين العام على اليمن نحو 24 مليار دولار، منها 7 مليارات دين عام خارجي، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على القطاعات الإنتاجية وعلى تنمية البلاد التي تشهد حربا منذ أكثر من عام. وتزامنا مع انهيار الريال اليمني, ارتفعت أسعار السلع المحلية والمستوردة بوتيرة متسارعة, سجلت أعلى مستوياتها على اسعار المشتقات النفطية، والذي اعتبره مراقبون إحدى حيل المليشيا التي تلجأ اليها من حين الى آخر لتامين موارد لها عبر السوق السوداء, بعد استنفادها للخزينة العامة للدولة واستيلائهم على الاحتياطي النقدي منذ انقلابهم في 21 سبتمبر 2014. في المقابل ارتفعت نسبة البطالة وتفاقم انعدام الأمن الغذائي. ويشهد اليمن أزمة إنسانية حادة، فنحو (20) مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، بحسب تقارير منظمات الأممالمتحدة. كما عطلت الحرب مظاهر الحياة في المدن اليمنية ، وقذفت بملايين اليمنيين إلى قاع الفقر، سحقت الطبقة المتوسطة وشردت نحو ثلاثة ملايين يمني ، انعدمت الخدمات وتوقفت الأعمال ومصادر الدخل وسكتت أصوات الآلات في المصانع مقابل ارتفاع أصوات الرصاص وازدهار تجارة السوق السوداء. كما أفضت الحرب إلى توقف الإيرادات النفطية والرسوم الجمركية والضريبية، ما وضع المالية العامة والقطاع الحكومي للدولة الفقيرة أصلا، على حافة الانهيار ، وتراجعت الاحتياطيات الخارجية من 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2014 إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر/ أيلول 2016. ووفقا لأحدث تقرير صادر عن البنك الدولي فأن عدد الفقراء في اليمن زاد من 12 مليونا قبل الحرب إلى أكثر من 20 مليونًا مع بداية عام 2016, فيما اصبح نحو 21 مليون يمني يعشون حاليا تحت خط الفقر، وأن نحو80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بحسب الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وفيما تعاني آلاف الأسر اليمنية وضعاً معيشياً صعباً، جراء توقف صرف الرواتب، خصوصاً في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين, عمل الانقلابين على تدمير كل ما يمت الى الاقتصاد من خلال انشاء السوق السوداء , ما ادي الى وانهيار أغلب المؤسسات الاقتصادية للدولة . كما أدى استنزاف الحوثيين موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، إلى تهاوي احتياطي النقد الأجنبي إلى 987 مليون دولار (شاملة ودائع البنوك) في سبتمبر/أيلول الماضي مقابل 4.7 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2014. بحيث بات بإمكانهم تمويل كافة أنشطتهم من خلال هذه السوق التي تدر عليهم أرباحاً طائلة خاصة بعد قرار سحب البنك المركزي من تحت سيطرتهم. بالإضافة الى ممارسات الجبايات والإتاوات والضرائب المضاعفة غير القانونية وابتزاز التجار من خلال عرقلة أعمالهم كما يحدث لتجار الوقود من خارج الجماعة، الذين يتم احتجاز سفنهم، ولا يتم الإفراج عنها إلا بمقابل مادي كبير يصل إلى ملايين الريالات. وتشكل الإيرادات المالية لمؤسسات الدولة في المحافظات الخاضعة لسيطرت سلطة الانقلاب أبرز الملفات الساخنة بين جماعة الحوثي وحزب صالح، ، والتي يرفضون توريدها إلى البنك المركزي الواقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية في عدن, وهو ما تسبب بأزمة اقتصادية وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ 11 عامًا. ويبسط الحوثيون سيطرتهم على غالبية المؤسسات الإيرادية وخصوصًا ميناء البحر الأحمر، فيما تعد وزارة الاتصالات، هي الجهة الإيرادية الأبرز التي يقودها وزير موال لحزب صالح. وكانت اللجنة العامة لحزب لمؤتمر، طالبت في ال 11 من سبتمبر الفائت، ب توحيد آليات جباية وتحصيل الموارد وتوريدها إلى الخزينة العامة وفقًا للدستور وصرف رواتب موظفي الدولة، مع اتهامات للحوثيين باستغلال المواد لأغراض شخصية وعسكرية خاصة, كما طالبت بصرف رواتب موظفي الدولة. ويطمح صالح إلى تبني مطالب ملايين اليمنيين بضرورة قيام الحوثيين بدفع رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، لكن الحوثيين يرون بأن ذلك نوع من المزايدة. ولا يبدو أن هذه النقطة ستجد حلولًا سريعة، خصوصًا بعد رفض ضمني لها من المجلس السياسي للحوثيين، والذي قال في بيان له يوم ال 12 من أيلول/ سبتمبر الماضي، إن "المرحلة لا تحتمل المزايدة تحت عناوين مختلفة مثل المرتبات فذلك هو الانزلاق بعينه في مخطط العدو وأجندته". وعلى مدى ثلاثة اعوام من سيطرة سطلة الانقلاب اتسعت رقعة الفقر في اليمن بصورة كبيرة، يقابلها ضعف في البرامج الكفيلة للحد من الفقر والبطالة. فالمصارف لا تهتم بهذه الشريحة، وإن قدمت خدمات تمويلية، فهي تضع شروطاً يقف أمامها الفقراء عاجزين. ووفقا لعدد من الدراسات والتقارير الدولية، فإن المستوى المعيشي للغالبية العظمى من السكان، اتجه نحو حدود الفقر في عام 2010، تم اتجه إلى ما دون حدود خط الفقر وانعدام الأمن الغذائي خلال الأعوام 2014, 2015, 2016, وأن نسبة السكان تحت خط الفقر ارتفعت من 42% عام 2010 إلى 62% في 2014، وتجاوزت 80% خلال عامي 2015, 2016. هذه الأرقام تنعكس على مستويات البطالة التي شهدت ارتفاعاً خلال السنوات الماضية، حيث أظهرت البيانات الرسمية أن البطالة ارتفعت إلى 80% في عام 2015، بعد أن كانت لا تتعدى 25% في عام 2014. في ظل ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، تبدو تجربة بنوك الفقراء، إن وجدت، ضعيفة ولا تقوم بالدور المطلوب منها. ففي اليمن تقلص عدد بنوك الفقراء إلى بنكين فقط من بين 17 بنكاً في السوق. يقول الخبير المالي أحمد سعيد شماخ: "إن التنوع في المصارف اليمنية لم يشكل ميزة في تقديم حزمة من الخدمات وتمويل البرامج والمشاريع الصغيرة، خاصة أنها لا تملك سياسات واضحة في دعم شرائح المجتمع والمساهمة في التقليل من البطالة. وبصورة إجمالية، فإن المصارف اليمنية لا تعمل في مجال دعم المشاريع التنموية، ويقتصر عملها على السحب والإيداع وأذون الخزانة. يضيف شماخ "إن التنوع في المصارف اليمنية لم يشكل ميزة في تقديم حزمة من الخدمات وتمويل البرامج والمشاريع الصغيرة، خاصة أنها لا تملك سياسات واضحة في دعم شرائح المجتمع والمساهمة في التقليل من البطالة. وبصورة إجمالية، فإن المصارف اليمنية لا تعمل في مجال دعم المشاريع التنموية، ويقتصر عملها على السحب والإيداع وأذون الخزانة". والمؤكد أن حالة عدم الاكتراث للتحذيرات والمخاوف التي ما انفكت تحذر من مسار الفشل الذي سلكته قوى السلاح واطراف سياسة فرض الأمر الواقع بدلا من مسارات الحوار والتفاوض السلمية, ادخلت اليمن مرحلة الانهيار الشامل, وقوضت فرص النجاة امام اليمنيين وراكمت الأزمات على كاهله الواحدة تلو الأخرى حتى بات انعدام السلع والمواد الغذائية وانتشار الأوبئة والأمراض يقلقه اليوم اكثر من ضجيج الطائرات وقصف المدافع.