المزاح والدعابة والسخرية وإضحاك الآخرين أمور يصفها علماء النفس بأنها تساعد كثيراً على التخلص من قدر كبير من التوتر النفسي، وتساعد الشخص على التكيف مع بعض المواقف الجادة ومع الأشخاص على مختلف مشاربهم، إلا أن العلماء يؤكدون بصورة قاطعة أن القدر اليسير من هذه المواقف الساخرة أو المضحكة مقبولة شريطة ألا تخرج عن الاتزان والتعقل دون الإفراط الجنوني في الاستهزاء والسخرية.. البعض من الناس يتكلف الإطناب والإفراط والمزايدة المطلقة في السخرية والإضحاك العشوائي الممل، بل ويخطط لها مسبقاً وقد تصل الأمور إلى أن يبالغ في اصطناع المواقف المضحكة وأحياناً إلى وجبة ساخرة.. ويتجلى موضوع الضحك من مظهره وتصرفاته ساذجاً، وهناك صنف آخر يضحكون الناس بنوع من الكراهية والإيذاء المتعمد من خلال ما يطلقون عليه وما يسمونه المقالب والمزاح الثقيل والمكايدة. وصنف ثالث هم المكارون المحتالون الذين يستخدمون الدعابة هروباً وعذراً عندما تنكشف حيلهم ومكائدهم، فهم في البداية نراهم جادين بمكر وحيلة بهدف الوصول إلى غرض ومصلحة شخصية، فإن تحققت أهدافهم الشخصية واصلوا حيلهم الماكرة، وإذا شعروا بالوقوع في حبائل الآخرين جنحوا مرة أخرى إلى الدعابة والسخرية والمزاح تغطية لمواقفهم المكشوفة. إن الدعابة الساخرة يستخدمها الكثير من الناس لأغراض متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر إدخال السرور على نفوس الآخرين وخلق الألفة والمحبة وزرع بذور التسامح والوفاء وإزالة جوانب الملل والتذمر النفسي والإحباط واليأس والقنوط.. فظاهرة الدعابة ظاهرة مقبولة أما إذا كانت هروباً من ألم نفسي وتجنباً للإحراج أمام الآخرين مع مبالغة بلا حدود وإفراط طائش، ففي حيلة نفسية لا بد أن تقف النفس بوعي تام لتقييم هذه الظاهرة وإصلاحها.ومن صنائع المزاح والسخرية السلبية نجد أن المواقف تتحول بصورة درامتيكية إلى رجل ساخن ومواجهة حادة، بل تصل الأمور إلى حدود الخطر بل تتجاوزها إلى الموت.. ولكن نجد أن الفهم العميق لفلسفة وقاعدة المزاح دائماً ما تشكل العمود الفقري إلى خلق أرضية وقاعدة ثابتة لمفهوم المزاح الذي نقف من أجله أمام شاشات السينما والتلفاز في قفشات مضحكة جادة صيغت في نص مسرحي جاد يعالج زاوية من زوايا الخلل الاجتماعي والاقتصادي والتربوي. بل إن هذا المواقف الهزلية قد أسهمت في تصحيح الكثير من مظاهر الاعوجاج، ولنا في هذا السياق حتى على مستوى وطننا اليمني الموحد نجد الكثير من الكوميديا أمثال عثمان عبده، فؤاد الشريف، آدم سيف، عوض بن جبير وعبيد محمد... وغيرهم ولا ننسى الكثير من الذين يسعون في معالجة الظواهر الاجتماعية عبر القفشات الهزلية المزاحية الهادفة.الزميل يحيى بن علي الحاج «معلم» ومبارك عوض باعامر والأخير «رحمه الله» يستعمل النص الشعري وسيلة لمعالجة القصور في التربية والتعليم أو قضايا الناس، إضافة إلى الكوميدي المعروف الحاج سالمين حسين الحضرمي صاحب قهوة الحرية بغيل باوزير وله العديد من المنلوجات الاجتماعية الهادفة، يسهم بصورة المساهمة في احتفالات المدارس والمناسبات العامة.. هذا اذا توسعنا على المستوى العربي فإننا نحتاج إلى صفحات.. الآن من أبرزهم عادل إمام وأحمد بدير وأيمن زيدان.إن الدعابة والسخرية الهادفة هي منبر آخر لإصلاح وتصحيح الأخطاء، وهي نوع من التربية الاجتماعية ومعالجة ظاهرة القلق والتذمر النفسي والفشل.. وهذا ما يعتبره علماء النفس ثقافة أخرى بعكس الدعابة الساخرة الحاقدة المتصفة بالكيد والترصد، فهي انتحار وموت لمسرح جاد ونصوص هادفة ومجتمع حضاري.