تعد مسألة الأخذ بالأسباب هي الأساس الذي يجب أن يقف عليه الجميع أولاً سواءً الأفراد أو الشعوب والأمم، وعلى هذا الأساس ومنه يتم الانطلاق نحو تحقيق الأهداف المرجوة. هذه المسألة هي مفتاح كل الأبوب والطرق المؤدية نحو الأهداف، وما عدا ذلك فإن الأمر يبقى مجرد أمنيات وأحلام وانتظار للفشل. أول كل الأسباب للنجاح والقوة كل نجاح وقوة هي القراءة الدقيقة المتأنية بأشكالها وكيفياتها المختلفة التي يتبعها إدراك للواقع بتفاصيله المختلفة. هي القراءة إذاً والتي جاءت بصيغة الأمر في أول لفظ في القرآن الكريم عند نزوله لأهمية هذه القراءة، والتي لا نحتاج هنا لمزيد من التفصيل حولها فالتفاصيل واضحة بلا اختلاف حولها وعليها، ولذلك فإن الضعيف من لا يقرأ ومن لا يعرف كيف يقرأ، ومن لا يدرك ما يقرأ ومن لا يستفيد مما يقرأ، ومن ينسى ما يقرأ وما قد قرأ، هذا هو الضعيف وبمعرفة الضعيف وأسباب ضعفه تتضح صورة القوي الذي قرأ ويقرأ وقد عرف ما يقرأ وأدرك واستفاد ولم تخنه الذاكرة. لا تقتصر القراءة على مطالعة الكتب أدباً وعلماً وتاريخاً وإن كان هذا النوع من القراءة سيد كل الأنواع وأساسها ومرجعيتها وارتباطها القوي بسواها لدرجة توحي بأن لا وجود لسوى هذا النوع من القراءة، غير أن الاختلاف والتنوع لا يكون من باب المقروء فقط ولا بمحتوى المقروء وإنما تكون إلى جانب هذا في القارئ ذاته وفي تعاطيه مع ما يقرأ أو عدم اقتصاره في قراءته على المكتوب والمخطوط، بل يصل في قراءته إلى تصفح كتب المواقف وأنماط التفكير ووجهات النظر عند الغير وصولاً إلى قراءة النفوس والنفسيات، وكلها صادرت ممكنة من طرق علمية وأدبية. هذه هي القراءة التي تمنح أصحابها القوة وخصومها الضعف والاستكانة والذل. أستطيع أن أجزم أن كل الحروب أو على الأقل معظمها تستند على قراءة الخصوم أو الأعداء بمعنى قراءة الخصم لخصمه أولاً قبل المواجهة ثم أثناء المواجهة وبعدها وعلى الدوام بالتأكيد. وبالتالي فإن القراءة الصحيحة تشكل أهم مقومات القوة وأسباب الصمود والثبات، وبالتالي فإنها من أهم عوامل النصر أو الهزيمة، فالقراءة الصحيحة لإمكانات الخصم وطريقة تفكيره وإدارته للصراع ونفسيته سوف تحدد الكثير من نتائج الصراع إلى جانب المقومات الأخرى. واحدة من نماذج حروب القراءات هي حرب حزب الله «المقاومة الإسلامية في لبنان» مع الجيش الاسرائيلي، وقد بدت فيها القراءة واضحة كأهم أسلحة المعركة من قبل أن تبدأ، ومن الواضح حتى اللحظة أن حزب الله قد أجاد قراءته لعدوه من خلال مراكز الدراسات المتخصصة التي يديرها وقد تابع من خلالها قراءة كل ما يتعلق بتحركات اسرائيل سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ونفسياً وتكتيكاً حربياً، ولهذا كانت نتائج هذه القراءة المتأنية الصحيحة إلى حد كبير ذلك الصمود غير المسبوق في تاريخ الحروب العربية الاسرائيلية، والذي جعل الكثير من المراقبين يصفونه بالصمود الاسطوري مهما كانت النتائج اللاحقة بالنظر إلى موازين القوى، إلا أن الحقيقة هي انتصار القراءة الصحيحة على القراءة الخاطئة، فهل نعي هذه الحقيقة..؟