المكلا.. غادة.. فاتنة، خرجت في ذات يوم بعيد عارية لتستحم في مياه بحر العرب بشعر ثائر مجرود.. وقوام ممشوق.. ثم عادت لتلبس فستاناً ناصع البياض.. لترتمي في أحضان عاشقها الجبل الأسمر، ليضع على رأسها تاجاً جميلاً من أربعة حصون بيضاء.. فيما مضت طيور النورس إلى المدن والمرافئ البعيدة تحكي حكاية مدينة رائعة تغازلها النجوم، وتداعب أطراف أناملها الرقيقة أمواج البحر المتكسرة، والأسماك الصغيرة الملونة. والمكلا اتخذت مكانها في جغرافية العشق العربي منذ أن تغنى الفنان/فهد بلان: «يا بنات المكلا» والفنان أبوبكر بلفقيه: «لا تعذبني وإلا سرت وتركت المكلا لك» فصارت حكاية من حكايات الغرام. ثمة ثلاثة ألوان فقط اختزلتها المدينة، فصارت من أبرز سماتها. اللون الأسمر.. لون جبلها الشامخ والحارس الأمين. واللون الأبيض.. لون منازلها وفستان زفافها الدائم. واللون الأزرق.. لون صفحات مياه بحرها.. ومع هذه الثلاثية البديعة كتبت المدينة أحلى قصائد الحب، وأعذب نغمات الشجن، فهام بها الكثيرون صبابة وطلب مودة. إن المكلا تبوح لك بما في وجدانها بصدق وصفاء. وترش على صفحات يديك كثيراً من عطرها وسحرها. وتمنحك تلك الابتسامة المشعة دفءاً وألفة.. وتطعمك الحلوى والعسل. وحقيقة تظل المدن المرتبطة عادة بالبحر حبلى بأسمى المشاعر.. وكيف بالمكلا التي تتنفس نسيم البحر، وتتزين بحلي البحر اللؤلؤ.. والفيروز.. والمرجان.. وتتعطر بعنبر حوت البحر؟!. إنها تحمل نكهته، ورذاذه، وسر عطائه، وغناء أمواجه، ومواويل الصيادين، وإبحار سفنه، وأسراب طيوره المهاجرة إليها. أما ليل المكلا فلا يضاهيه ليل، فالقمر يتناوب طلوعه بين بحرها وجبلها، وينثر خيوطه الذهبية على كل شيء، فيكسيها عقداً ثميناً من الضوء والفرح والطمأنينة. ليل المكلا تمتزج فيه أضواء القمر مع أضواء مصابيح بيوتها وشوارعها لترسم على صفحات مياه بحر العرب وجه المدينة الآخر الجميل، فتقع أسيراً للحظة الدهشة والإعجاب. لهذا لا يعجب المرء بأن المكلا أنجبت أفضل الشعراء والفنانين والأدباء والمبدعين.. لقد شكلت بسحرها الطاغي أعماقهم ومخيلتهم الفنية، فصاروا نجوماً فوق سمائها، وورداً على فستانها، وأساور ذهبية لامعة على معصميها، وغدت حديث الروح والقلب والزمان. إن مدينة تمنحك كل هذا العطاء والإشراق جديرة بالحب، والوفاء، وبموقع لائق في صميم الفؤاد.. وجديرة أيضاً أن تقول في حقها أحلى الكلم. وتبعث إليها أجمل بطاقات التهنئة، وباقات الزهور، وأكاليل من الصدق والاعتراف بمودتها.