عندما وقّع اليمنيون اتفاقية 30 نوفمبر 1989م لم يتفاجأ أحد في العالم، فمازالت فترة عام الفاصلة عن موعد إعلان الوحدة كفيلة بإعادة الأمور إلى نقطة الصفر أو أدنى حسبما اعتقد ذلك كل من سمع بالحدث. في يوم 22 مايو1990لم يتفاجأ العالم فقط، بل وقف مذهولاً حين بلغه العلم بأن اليمنيين أعلنوا وحدتهم الاندماجية، فثمة حسابات سياسية لم تجد لنفسها محلاً في تفسير ما يجري على الساحة اليمنية ولم يتوافق أي من معاييرها مع واقع ما أخذ به اليمنيون في تنفيذ مشروعهم الوحدوي. لقد كانت القناعة لدى المجتمع الدولي أن اليمنيين يحلمون بالمستحيل، وكانت هناك أسباب كثيرة تبلور تلك القناعة، تبدأ بالإرث التاريخي السياسي الذي صبغ شطر الجنوب بطابع عقائدي يستمد عناصر وجوده من فكر أيديولوجي يقود معسكره أحد قطبي ساحة الحرب الباردة، فيما يقابله في شطر الشمال نهج تقليدي متعدد المشارب الفكرية، ومتنوع في تكويناته السياسية.. ثم هناك جولات دامية حصدت أرواح الآلاف وعمقت فجوة الخلاف، وكدرت صفو آمال الحالمين بالوحدة. كان هناك رهان دولي، وحسابات سياسية إقليمية تفرض نفسها، وتعكس إرادتها على الكثير من ظروف الشطرين وخططهما المستقبلية، وليس من سبيل للقفز فوقها، أو تجاهل مواقفها، واتجاهاتها.. تلك القناعة لدى المجتمع الدولي نابعة من ظروف اقتصادية قاهرة تعيشها اليمن بشطريها، ومن واقع ثقافي واجتماعي متخلف، وكيانات تفتقر للهياكل المؤسسية، وفارق شاسع في الإعداد الحزبي، وخبرات العمل التنظيمي السياسي لابد أن تثير مخاوف الطرف الذي يفتقرها مادام خيار الوحدة سيفرض التعددية الحزبية. كانت هناك زوايا كثيرة ينظر منها المراقبون إلى قضية وحدة اليمن، ويستلهمون منها حكمهم في استحالة أن ينجح اليمنيون في مجرد الإعلان عن وحدة الشطرين.. لذلك عندما فعلها اليمنيون تحولت الوحدة إلى الموضوع الأكثر إثارة للجدل في تلك الأوساط ، خاصة حين جاء التوقيت سابقاً لموعده الذي تم الاتفاق عليه من قبل.. فانقسم الرأي بين مسلّم بالنتيجة ومتعاط مع ما أتت به من واقع جديد، وبين مراهن على فشل سريع، واقتتال، ونذر بلاء تلوح في أفق أيام قادمة. ويبدو أن الشيء الوحيد الذي أغفله العالم في تقييمه لمستقبل الوحدة اليمنية هو الإرادة الإنسانية لشعب اليمن وقياداته السياسية، وحقيقة ارتباط تلك الإرادة بعمقها التاريخي، والجغرافي، والثقافي، والحضاري الذي تستمد منه قوة حجتها في حتمية العودة إلى استحقاقاتها التي ظلت مغيبة ردحاً من الزمن!. الوحدة اليمنية المعلنة يوم 22مايو1990م اختلفت عن غيرها من تجارب دول العالم بكونها انبثقت من واقع غارق بالتحديات الخطيرة، وعازم على الانفتاح على واقع آخر مختلف أيضاً في سلوكه السياسي، ولم يسبق لأحد من الشطرين أن جرب مفردات عمله الوطني تحت مظلة الديمقراطية، كما أن الوحدة سرعان ما دخلت مأزقاً غاية في الخطورة وهو تداعيات حرب الخليج الثانية التي زجت بدولة الوحدة الحديثة الولادة بأزمة اقتصادية حادة جراء عودة ما يناهز المليون وربع مغترب يمني من المبعدين من دول الخليج.. وهذا كله حدث بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الوحدة اليمنية. ثم انعكس الأثر سياسياً من خلال المواقف التي ترتبت عن مواقف اليمن إزاء حرب الخليج الثانية، وبهذا فإن الوحدة واجهت حصاراً مبكراً قبل أن يشتد عودها، بل دفعت بسياسات خارجية انتقامية، ومؤامرات انتهت بحرب صيف 1994م وهكذا بقدر ما كانت الوحدة مفاجأة كان الحفاظ عليها مفاجأة أكبر!. حتى هذا اليوم مازال هناك من الباحثين والمراقبين من يقف مذهولاً إزاء ما حدث في اليمن، رغم اكتشافه لاحقاً السر الذي حققت به اليمن وحدتها، والمتمثل في قيادة الرئيس/علي عبدالله صالح الذي كان المهندس البارع لخارطة الوصول إلى الوحدة، والعقلية المستوعبة لظرفها التاريخي، وواقع بيئتها، وقدراتها الذاتية في قياس حسابات الأمور على نحو سليم ودقيق. لقد كانت فعلاً وحدة الثاني والعشرين من مايو 1990م هي الحدث الأكبر إثارة في التاريخ ، لأنها لم تمثل صناعة ظرفية بل صناعة إرادة إنسانية فرضت نفسها على كل الظروف، ورغماً عن أنوف كل المراهنين على غيرها.