كانت العلاقات العربية/العربية في ثمانينيات القرن المنصرم أكثر من رائعة كانت علاقات تواشج حقيقي وحسن نية متبادلة وآفاقاً مفتوحة للتكامل والتواصل، وعندما نتذكر تلك الأجواء نشعر الآن بمدى الفداحات والخسارات الهائلة التي حاقت بالعالم العربي جراء المغامرة المجنونة لنظام صدام حسين في العراق وكيف أن غزو الكويت أورثنا محنة تعيد إنتاج نفسها وبث سمومها يوماً عن آخر. لن أتطرق هنا لما هو معروف في عموم الأدبيات السياسية ، بل لذكريات شخصية ترافقت مع إدارتي لتلفزيون عدن، وسأترك للقارئ الكريم استنتاج ما يريد وأبدأ من الكويت بالذات. في الكويت عام 1981م وأثناء مؤتمر اتحاد الإذاعات العربية كان اليمن ممثلاً بوفدين من الإذاعة والتلفزيون بالشطرين «الجمهورية العربية اليمنية./وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية». وكان وفد الشمال يترأسه الأستاذ/علي صالح الجمرة المدير العام للإذاعة والتلفزيون في اليمن الشمالي سابقاً وكنتُ أترأس وفد الجنوب. في قاعة المؤتمر تعمد الأشقاء المنظمون للقاعة وضع علمي الدولتين اليمنيتين بصورة متجاورة وكانت الإشارة أصدق من العبارة وقد التقطت والأستاذ/علي صالح الجمرة تلك الإشارة وبادرنا باستبعاد العلمين من المكان وتوحيد الوفدين في وفد واحد برئاسة الجمرة !! كان التصرف محل تساؤل واستغراب من أعضاء الوفدين واستجهان من قبل بعضهم ومثار تساؤل محتار من قبل الوفود العربية في المؤتمر .. لكن الأمور سارت على النحو الذي ارتأيناها أنا والأستاذ/الجمرة، شاركت اليمن بوفد موحد دونما تشاورات تقليدية مع الداخل اليمني أو تخوف من ردود أفعال الأجهزة في الشطرين بالنسبة لي شخصياً وحال عودتي إلى عدن اعتبرت القيادة السياسية تصرفي حكيماً ومتناغماً مع توجهات الدولة وبدلاً عن العقاب المحتمل نلت تكريماً وتقريضاً. في الكويت أيضاً كانت لي لقاءات عمل مع كبار الإعلاميين وأذكر في هذا الصدد الأستاذ/محمد السنعوسي الذي كان حينها مديراً عاماً لتلفزيون الكويت والذي بادر بإعطاء تعليماته لمكتب تلفزيون الكويت .. كانت محتوى التعليمات ما يلي : كل أصل من أصول ارشيف التلفزيون الكويتي حق للتلفزيون اليمني!! على الإخوة في الإرشيف نسخ أية مادة مطلوبة للتلفزيون اليمني ، الجنوب «سابقاً» وإرسالها إلى عدن وعلى ألاّ تتحمل عدن أية تكلفة من أي نوع !! هكذا .. وهذا ما كان بالفعل فقد كان تلفزيون الكويت يوافينا بانتاجه الخاص من المنوعات والمسلسلات والبرامج وكنا نعتبر انفسنا كما لو أننا محطة واحدة !! على خط متصل اذكر تلك المواقف المشهودة للأستاذ ابراهيم اليوسف المدير العام لمؤسسة الانتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي والذي استخرج قراراً من مجلس إدارة المؤسسة باعفاء تلفزيون عدن من قيمة المسلسلات التي تنتجها المؤسسة والتي كانت تصل إلى مئات آلاف الدولارات وبالتالي كان تلفزيون عدن ثاني تلفزيون عربي بعد الكويت ينال حق البث للمسلسلات التي انتجتها المؤسسة وابرزها المسلسل التعليمي «افتح ياسمسم» وأول مسلسل للأطفال يدبلج بالعربية الفصحى «السندباد». الا تكفي هذه الشواهد للتدليل على ماكنا عليه من حال قبل المحنة المقيمة لحرب الخليج الثانية.؟.