في إيران حاول الرئيس السابق محمد خاتمي ومنذ وقت مبكر الخروج من شرنقة الملعب الأول لمرجعية الإمامة إلى دائرة أوسع حيث بدأ بالدعوة إلى حوار الحضارات والأديان عندما كان وزيراً للثقافة، وكانت هذه الدعوة تحمل في طياتها دلالات وأبعاداً تتعلق بالشأن الداخلي الإيراني، فالذي يطالب بالحوار البناء مع الآخر الديني والإنساني عليه أن يحسن إدارة الحوار الداخلي مع أهل الدار في إشارة ذات مغزى لمؤسسة الإمامة التاريخية التي تخضع الجميع لمرجعيتها الدينية والدنيوية، كما حاول خاتمي إدارة اللعبة الداخلية ونال حظوة كبيرة من أوساط الجيل الجديد، الذي أثار غضب المحافظين الذين أفلحوا في تقليم أظافر الإصلاحيين استناداً إلى مكانتهم الكبيرة في مؤسسات القوة والمال والتشريع. لم تشفع المرونة السياسية لمحمد خاتمي، كما لم يتمكن من تهدئة الأوضاع المحتدمة برغم دعواته المتكررة للاحتكام إلى الحوار وعدم التفريط بالوحدة الوطنية. لقد أدرك المحافظون أن الوقت لا يجري لصالحهم لذلك شرعوا بردم الهوة بين المستقبل والماضي متخذين الحاضر زمناً قابلاً لأن ينحشر في تضاعيف الماضي وأن يعيد إنتاجه بقوة السلطة وتنظيرات رجال الدين. إيران التي أفلحت في إحراج الولاياتالمتحدة وهزيمتها السياسية على مدى العقود الثلاثة الماضية تفقد الآن عنصراً حاسماً في منعتها وقوتها وذلك استتباعاً للتطورات السياسية النابعة من حالة الصراع غير الحميد الذي يطل برأسه بين فرقاء الداخل الإيراني بالرغم من الضغوط الكبيرة التي تواجهها إيران. لم تنكسر سياسة الحصار المزدوج الأمريكية يوماً ما إلا أمام صخرة الوحدة والتماسك الداخلي الإيراني الذي تمكن بالمرونة والحنكة من مخاطبة مصالح أوروبا وروسيا واليابان وأفرغ مشروع الحصار المزدوج الأمريكي من عناصر قوته وتأثيره، أما الآن فإن الأمر ينقلب رأساً على عقب بالقدر الذي تتواصل فيه حالة الصراع الضاري بين المؤسستين القابعتين في أساس السلطة وإمكانياتها. إذا ما استمرت حالة التصعيد المتبادل وأصرت مؤسسة الإمامة وأنصارها من العسكرتاريا العقائدية في المزيد من خطوات القضم المنهجي لمشاريع الإصلاح فإن النتائج القادمة ستكون أفدح من الحالية، فيما يتهدد العقد الاجتماعي والسياسي الإيراني مخاطر أبسطها السير في متاهة الصراع على حساب التنمية والتحديات الخارجية. مرة أخرى تعود الكرة إلى ولاية الفقيه كمؤسسة نابعة من فقه التاريخ ومقارباته الدينية والدنيوية، ذلك الفقه استطاع أن يدير دفة التحديات والحكم في إيران لكنه لم يتمكن حتى اللحظة من اكتساب براغماتية العصر والمرونة المطلوبة.