قد يكون مناسباً أن يقول المرء إن أي شعب لا تنفعه القوانين ولا المؤسسات ولا الشعارات إذا لم يكن هناك عزم وتصميم على تحقيق الطموح الوطني الذي يتمثل في الكفاية والعدل والاستقلال. والمقصود بالكفاية هنا أن يشعر كل مواطن بالأمان من الفقر والخوف والزمن الذي تلد لياليه وأيامه كل عجيب !. وأما العدل فهو أن يشعر الشعب بأن حقه لامناص سيصل إليه، وأنه لن يفكر بأن أي ظلم أو غبن سيدركه، وأما الاستقلال فهو الشعور أن قراراته الوطنية لن تكون محلاً للمساومة أو الارتهان. ولقد اتضح ومن خلال التجارب الحياتية - وهي كثيرة - أن الشعوب لم تبلغ هذه الأمنيات إلا في ظل قوة تفرض هيبة القانون، وأن كثيراً من الشعوب، ربما بحكم أصولها وثقافاتها، وموقعها من التحضر لاتسير ولاتصلح إلا بالصميل والصميل الجائر. ولابد والأمر كذلك كما يقول بعض الفقهاء من مفاسد صغرى في سبيل تحقيق مصالح كبرى، بل إن الناظر في تاريخ أوروبا الحديثة سوف يجد أن هذا التقدم والانضباط للقانون إنما أتى بثمن غالٍ وغالٍ جداً. وقد جعل الإسلام التعزير في الحدود مثلاً لتقدير الحاكم والي أمر الأمة ليحقق هيبة الدولة ويراعي مصالح المسلمين، فلم يفد مراعاة المشاعر، وخطاب الرومانسية مع أناس لم يتذوقوا للجمال معنى ولايرعوا لاحترام أنفسهم عهداً أو ذمة. وفي مدينة تعز بدأ شعور بأهمية احترام الدوام الرسمي في كثير من المؤسسات خوفاً في أن يزور المحافظ مؤسساتهم بشكل مفاجئ فلم يجدهم، وأخشى أن تكون هذه الزيارة كعقر الديك لا تتكرر، وأخشى أن لا تنسى حليمة عادتها القديمة. ليست المسألة مسألة زيارة للمحافظ أو غيره، فالمحافظ ليس هذا اختصاصه، دعوه يفكر بمياه الشرب وأمور أخرى كاسترداد أراضي الأوقاف والأملاك الضائعة ومطار جديد في البرح وتصحيح جهاز القضاء، ليرفع عن تعز وصمة عار أنها عاصمة المشارعين وفساد بعض القضاة الجهلة عبّاد المال - على حساب شرف العدل والدين، لأن تعز ليست كذلك. المسألة هي أن توجد الدولة وليس أية جهة أخرى قناعة أن الضمير لابد أن يكون حياً في حالة أن الدين وهذا محال لم يعد ينفع .. لابد من الحزم يا قوم.