وقبل الحديث عن مرضها تعود سعدة شمهان درويش بذاكرتها إلى الأيام الأولى للثورة وكيف كانت الدنيا وكيف كانت الأحوال التي تحولت إلى ما هو أفضل لاسيما وأنها عاشت اغلب عمرها في السعودية بلد الاغتراب هي وزوجها وأولادها قبل ان تنزعهم حميتهم إلى عدن التي احتضنت قطاعاً كبيراً من العائدين إبان حرب الخليج 1990م. سعدة شمهان نموذج للبؤس الذي يمكن ان يعيشه المغترب اليمني في الخارج ان هو فشل في تحديد أولوياته وتحقيق الهدف العام من الغربة وهو خلق حياة مستقرة في الوطن، كما أنها تجسيد لحالة المجتمع اليمني أو لنقل قطاع واسع منه الذي لازال متأثرا بتداعيات حرب الخليج التي أثرت فيهم وغيرت من حياتهم على عكس ما كانوا يخططون. وسعدة شمهان نموذج محزن للجمع بين أكثر من معاناة في امرأة واحدة.. فهي المريضة العاجزة عن توفير متطلبات العلاج.. وهي المشردة من غير سكن إذ أنها تعيش مع أسرتها وزوجها المشلول في بيت من القش وسعف النخل في منطقة ما من مديرية الشيخ عثمان، وهي تعول أسرة كبيرة من كدها وتعبها بعد ان أصيب زوجها بشلل وهو الآن طريح الفراش. وعلى الرغم من كل ذلك فإنك ستجد سعدة وهي تشمخ بصورتها كما التقطها لها المحرر في غرفة أمراض القلب بقسم النساء بمستشفى “الجمهورية” لا تبالي بالمشاكل لأن الله مع الجميع وهو وحده القادر على حل هذه المشاكل التي تكالبت عليها وهو وحده من يمكنه ان يسخر لها أسباب الحل ويعيد إليها الابتسامة التي ضاعت منذ سنوات. وتتحدث سعدة شمهان عن حياتها فتقول:” عمري أكثر من ستين سنة، وأنا متزوجة وعندي ثلاثة أبناء ولد وبنتان، وكنت أعمل إلى جانب زوجي الذي كان يصنع بعض الأدوات من سعف النخيل، وهو مصدر رزقنا الوحيد لكن منذ فترة طويلة مرض زوجي وأصابه الشلل فعملت بمفردي حتى أوفر للأسرة جزءاً من متطلبات الحياة، وبعض حاجات زوجي المريض المشلول، والآن هأنا مريضة مثلي مثله ولنا الله وحده يرحمنا ويسخر لنا من يساعدنا في العلاج “. وتقول سعدة:« هذا عملنا صناعة الأدوات المنزلية من سعف النخل وهو مهنتنا التي عشنا منها طوال حياتي أكان عند اغترابنا في السعودية أم بعد عودتنا إلى الوطن، ولهذا فإن دخلنا يكاد يكفينا للحياة اليومية أكلاً وشرباً، وهو مالم يساعدنا في بناء منزل للسكن فكان خيارنا الوحيد هو السكن في عشة». أما عن مرضها فتقول:” أنا مريضة نفسياً ومتعبة من قبل بسبب متطلبات الحياة وجهد العمل الذي تحملته بعد مرض زوجي، وهذا مقدور عليه طالما بقي الجسم صحيحاً وقادراً على العمل ، لكن الآن اجتمعت علي المصائب من كل جانب فبالإضافة إلى مرض الزوج أنا الآن مريضة وعندي تضخم في القلب والكبد، والحالة تتفاقم يوماً بعد آخر”. أما عن متطلبات العلاج فتقول:” إلى الآن نصحوني بالراحة والهدوء والعلاج والتغذية الجيدة، هي كلها مطالب صعبة المنال فكيف ارتاح وأنا مطالبة بالعمل لأعول أسرتي وان ارتاح و ولكن أين ارتاح وأنا اسكن في عريش، أما عن التغذية والعلاج فان الأمر يزيد الأمر تعقيداً في ظل ضيق الحال وواقعه الصعب”. أما عن الطريقة التي تتدبر بها حال أسرتها فتقول:” خلها على الله.. هو وحده العارف كيف نعيش.. وخلال الفترة الماضية كنت اعمل وأتدبر بعض حاجيات الأسرة وعائلها المقعد.. أما الآن فإننا أصبحنا ننتظر ما يسخره الله لنا من عون عبر أهل الخير”. وعن رمضان تقول سعده:” رمضان شهر خير ومغفرة ورحمة وتراحم ونسأل من الله ان يغفر للجميع وان يتوب علينا، لكني هذا العام مفطرة غصباً عني بسبب إصابتي بقرحة ناشفة ونصح الأطباء لي بالإفطار حفاظا على صحتي يعني أنا ممنوعة من الصيام هذه السنة بسبب المرض، وان في عمر وعافية فسأقضي بعد خروجي من المستشفى”. ومن واقع حال المريضة سعدة شمهان درويش التي ولدت مع زوجها في الحديدة قبل ان تسافر للهجرة في المملكة العربية السعودية وتعود إلى الوطن وتستقر في عدن مثلها مثل الآلاف من أبناء اليمن الذين وجدوا في عدن مكاناً مناسباً للعيش بعد انقطاع هجرتهم في ظروف استثنائية. وقصة سعدة ماهي إلا مجموعة من القصص المعبرة عن المعاناة والحزن أولا للمهاجر إلى خارج وطنه من غير هدف مرسوم وغاية مقصودة ترمى إلى خلق حالة من الاستقرار المستقبلي في الوطن، وثانيا إلى من ليس لديه مصدر دخل ثابت يعينه على الحياة ويعتمد على كده وتعب جنبه والمشاكل التي يعاني منها، وثالثها أنها تسكن في بيت سقفه السماء من غير أبواب ومن غير خدمات، ورابعها أنها مريضة في بدنها بتضخم في القلب ومثله في الكبد وقرحة في المعدة، وفي نفسها أنها تحمل هم أولادها وزوجها المريض وعبء متطلبات علاجها. سعدة حالة مركبة من المعاناة وان ظهرت صورتها عكس ذلك فانه يعود إلى أنها تؤمن بالله العلي القدير القادر على ان يحول كربتها إلى فرح ومرضها إلى عافية وفقرها إلى حياة هنيئة وهو وحده من يمكنه ان يسخر لها من أهل الخير من يعينها التغلب على مرضها وفقرها.