الفساد هوالوحش الذي يفترس الحياة الخدمية والتنموية ويقضي على حراكها المالي والإداري مودياً بها إلى هاوية السقوط المشين في مستنقع الانحطاط الذي يقف عائقاً أمام عجلة التقدم ومواكبة العصر وأمام كل الابداعات والطموحات لأي وطن من الأوطان ولأي شعب من الشعوب وبدون الوقفة الجادة أمام هذاالفيروس الذي إن انتشر في جسد الأمة فإنها سيصيبها بالفوضى والانحلال والحياة المليئة بالجهل والفقر والمرض والتخلف..وبلادنا كالكثير من بلدان العالم تعاني من هذا الداء الذي تمادى في النمو وأصبح له حضوره الذي نأسف له في كل مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية...الخ لدرجة صار فيها يُشكل عبئاً كبيراً وحتمية ضرورية تفرض على الجميع التعاون والتنسيق وبصورة جادة وفاعلة لمكافحة هذا الوباء وبمختلف أشكاله وشخوصه وجماعاته...الخ من أجل ذلك ماكان للدولة أن تقف سلباً تجاه هذا الوباء فكان لها أن عمدت إلى اتخاذ الكثير من التدابير اللازمة لوضع حد له في إطار النظم والقوانين ومنهاج الشرع الحنيف وبهذه المنظومة المنظمة للعمل وبتطبيقها توجد الحماية للأمة من عبث المفسدين...صحيح أن الفساد كمشكلة قائمة أكبر من أن يتم القضاء عليه في يوم وليلة ولكن لو تضافرت الجهود فإن مهمة مكافحته ستكون سهلة، وأعتقد أن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وجدت لكي يكون لها الصدارة في خندق المواجهة الصادقة مع الداء وكلما كان الدعم الرسمي والشعبي والمدني إيجابياً كلما ضعفت شوكة الفساد والمفسدين وقويت جبهة الإصلاح المالي والإداري وغيرهما من جوانب الحياة التي تعاني من وحشية وفتك هذا الفيروس الخبيث بالأمة ،وليس هذا فحسب بل واستئصال شأفته..ولعل الجميع قد لمس مصداقية التوجهات في محاربة الفساد رسمياً وخاصة منظمات المجتمع المدني التي بدأت تلعب دوراً فاعلاً في هذا المضمار الإنساني والاخلاقي والوطني ..ومن الشواهد التي تبعث على الاطمئنان التفاف الشعب بكل فئاته في عموم الوطن خلف القيادة السياسية لمحاربة الفساد الإرهابي والعصيان والتمرد وكل أعمال العنف التي تقوم بها عصابات الحوثي في صعدة أو الفضلي في بعض المناطق جنوب الوطن وذلك لإيمان الأمة بأن هذه الأعمال التي تمس حياة المواطنين وتقلق السكينة العامة وتعمل على تخريب المشاريع الوطنية العامة والممتلكات الخاصة إنما هي العنوان البارز للفساد والمفسدين اللذين لا يختلف عليهما اثنان.. كما أن اهتمام منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية في بلادنا بموضوع الفساد كمشكلة قائمة وشعورها بالواجب في المشاركة في مكافحته بالمعالجات والحلول الحضارية هو دليل آخر على جاهزية التوجه الرسمي في إعلان الحرب على الفساد وبكل أشكاله..ولقد حضرت مؤخراً دورة تدريبية قامت بتنفيذها جمعية المستقبل الاجتماعية في حيس وزبيد في هذا الموضوع «مكافحة الفساد» وأعجبني كثيراً الموضوع المندرج تحت الموضوع العام عنوان الدورة وهو«دعم الشفافية في مكافحة الفساد» ولكم معي أن تتخيلوا ما سوف تفعله الشفافية في الإسهام الميداني في مكافحة المشكلة..لأسباب عديدة أهمها أن أسلوب الشفافية في علاج مشكلات الفساد هو اسلوب حضاري أكثر مواجهة مع النفس وأكثر استسلاماً لنوازع الخير في ردع شرور الفساد وإحياء ولو بصيص من ضمير.. ولعل في طريقة «النمذجة» التي انتهجتها الدورة التي ضمت الأطراف «السلطة المحلية المكاتب التنفيذية منظمات المجتمع المدني» لعل في هذه الطريقة أقصر الحلول للوصول إلى معالجة يتفاعل معها حتى المفسدون أنفسهم.. فالنموذج هو اختيار أحد المرافق الخدمية «الصحية أو التربوية أو...أو...الخ» كنموذج للنزول الميداني إليه ليس لحصر جوانب الفساد فيه أو القصور في خدماته وإنما للجلوس مع كافة كوادره جلسة مصارحة بطريقة منهجية تقوم من خلالهاالجهة المنفذة للدورة بقليل من التوعية في وضع خطط العمل بالمرفق وبيان دور الجهات الثلاث المذكورة في دعم هذه الخطة ومراقبتها ومتابعة تنفيذها، أما الخطة نفسها فالمرفق نفسه هو من يقوم بإعدادها وطرحها للنقاش وصولاً إلى اتفاق نهائي على بنودها ومن ثم يصبح المرفق بكافة كوادره ملزماً بالتنفيذ.. في الوقت نفسه تكون الجهة المنظمة للدورة قد استطاعت أن تخلق مساحة للمواطن العادي في معرفة كل مايدور في ذلك المرفق وبيان كامل بالخدمات التي يقدمها وشخوصه العاملين فيه واختصاصات كل منهم والجهة المستقبلة لشكاوى المواطن والجهة الكفيلة بالحلول... الخ، وبهذه المكاشفة يصبح المرفق إن كان فاسداً أقل قدرة على الإفساد، فالشفافية إذن يجب أن تسود ليس في مجالات الحياة الخدمية والتنموية فحسب وإنما في المجالات الأخرى..وكم نتمنى على أهل الفتن والفساد سواء منهم القائمون بأعمال الشغب في بعض مناطق الجنوب أو عصابات التمرد والإرهاب في صعدة..كم نتمنى عليهم الجلوس مع أنفسهم لحظات صدق شفافة لعل وعسى أن تستجيب ضمائرهم للخير والفضيلة، أما الفساد نفسه فلقد شب الوطن عن الخوف منه أو التراجع عن ملاحقته سواء في مكاتب العمل أو ميادين القتال..ولسوف ينتصر الحق والخير والفضيلة مهما تكالبت عناصر الشر والارتزاق وإن الله على نصر الوطن وشعبنا لقدير..