ماعجزت عنه أقلامنا، وندواتنا، وجولاتنا الدبلوماسية المكوكية في الخليج جاءت به أخيراً رصاصة تافهة أشعل بها المتمردون الحرب على الجميع، لتترسخ الثقة لدى دول مجلس التعاون الخليجي بأنهم واليمن مصير واحد، وأمن قومي واحد، وأن أي شرارة تشتعل في ركن ما من هذا الإقليم لن يسلم من حرائقها الآخرون. لم تبق سوى ساعات وتعقد دول مجلس التعاون الخليجي قمتها الطارئة في أحضان الكويت، وبات لزاماً على قادة الخليج استثمار هذا الزمن لمراجعة أوراق الوضع الراهن جيداً، والوقوف على الحقيقة التي ظلوا يتجاهلونها، فسبقهم إلى الوثوق بها ألدّ خصومهم ليثبت لهم أن خير اليمن وشرها لابد أن يطالهم بشكل أو بآخر، وإذا كانوا قد تباطأوا في ضم اليمن إلى مجلسهم الموقر فإن عدوهم لم يتوان عن ضمهم إلى جانب اليمن في عدوانه. المتمردون - أو بالأحرى من يستخدمونهم - لم يترددوا لحظة في توسيع الحرب إلى الأراضي السعودية، وهم اليوم لايكترثون لنتائجها على الساحة اليمنية بقدر ما أصبح شغلهم الشاغل هو الإمعان في توريط المملكة وإطالة الحرب معها للاستفادة من الوقت في رهانات أخرى على الساحة الداخلية السعودية، والخليجية وما يمكن أن يفرزه أي تأجيج للمذهبية والانقسامات الداخلية والفتن المختلفة. ومن جهة أخرى فإن التصريحات التي نسمعها من المسئولين الإيرانيين يضعنا أمام تساؤل: من أين تستمد إيران جرأتها في التطاول على حكومات المنطقة وتهديدها، والتعبئة ضدها من فوق كل منبر..!؟ ومن أين جاءت الجرأة لدى المتمردين لتوسيع عدوانهم إلى أراضي دولة ثانية..!؟. لاشك أن الجواب حاضر لدينا جميعاً وهو: من أوضاعنا المتردية، وحساباتنا المغلوطة، ونظرتنا القاصرة في حساب كل شأن من شئون دولنا.. وهذه الحسابات هي التي تجعل أحداث التمرد مصدر تهديد لدول المنطقة كاملة.. ولو عمل الجميع بنوايا مخلصة، وانطلاقاً من مبدأ الشراكة لما استطاع أحد التغلغل من خلال ظروف اليمن إلى قلب الخليج. لقد تحدثنا كثيراً عن دور اليمن في صناعة الأمن القومي الخليجي، غير أن هناك من كان يحسب ذلك توظيفاً مخادعة لإقناع الخليج بضم اليمن إلى مجلسها التعاوني.. وهي نظرة غير جديدة، لكن اليوم الأحداث هي التي تعيد قول كل ما كتبته أقلامنا، لتضعه على طاولة القمة الخليجية. وفي الحقيقة أن القمة الخليجية مطلوب منها اليوم إدراك حقيقة أهمية اليمن كعمق استراتيجي للخليج والعمل على الاسراع بإدماج اليمن في مجلس التعاون كضرورة حتمية تقتضيها مصلحة المنطقة.