اليمن وبشهادة الأقرباء والأصدقاء منجم دائم وكبير للإبداع والمبدعين، ميدان لا يمل ولا يفل من التميز والإضافات الإنسانية التي يفخر بها اليمن ويتخذها قلائد وأوسمة للتفوق والنبوغ, إنها هدايا المبدعين وانتصاراتهم. إبداع الإنسان اليمني متمرد رغم وجوده في أقصى الخارطة الجغرافية للوطن العربي, لكنه يبقى ويظل قادراً على المنافسة والوصول إلى القمة, إنه يمتلك عنفوان الممانعة والمغالبة والمصابرة, مثلما يتحمل قسوة المعاناة والظروف ومراحل الإجحاف العربي. كان شاعرنا الراحل الكبير عبدالله البردوني قد روض جائزة العويس في باكورتها وبدايات ظهورها؛ فجاءته معترفة بفضله وسبقه وريادته للقصيدة العربية الأصيلة, رأته وبجدارة حاملاً لواء الإبداع الشعري العربي من طنجة حتى صنعاء. اعترف الجميع بنبوغه وريادته, بينما كنا نحن في اليمن مازلنا نعدّه واحداً من رجال الغواية ودعاة التحرر الاجتماعي من العادات والتقاليد والقبيلة, الحقيقة كل الحقيقة أنه وبكل إنصاف قد كان ولايزال منارة الإبداع وعنواناً رائعاً للنبوغ والتميز. ها هو اليوم شيخ المبدعين اليمنيين ورائد التحديث والتجديد الإبداعي في شكل ومضمون القصيدة العربية الحديثة فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح تأتيه جائزة العويس إلى صنعاء بعد غياب دام سبعة عشرة عاماً, تقديراً لريادته وإبداعه؛ تتشرف بأن تكون هذه من نصيبه ونصيب الإبداع اليمني. إنها حكاية وطن يمتلئ بالمبدعين حد التخمة، ولا غرابة إن أطلق الآخرون على اليمن بأنها بلاد المليون مبدع, حكاية شعب لم يمت بعد رغم المعاناة القاسية والظروف الصعبة. المشكلة الأساسية التي تلازمنا على الدوام والتي نعانيها هي أننا وللأسف الشديد لا نجيد تسويق إبداعنا ومبدعينا إلى الداخل والخارج. قبل هذا أيضاً نحن وللأسف لا نحترم الإبداع، ولا نعطي المبدع حقه من الإنصاف والرعاية والاهتمام, نضعه في مكانه اللائق به اعترافاً بدوره وتقديراً لنبوغه وجهده. إذن ما ينقصنا هو وسائل التسويق الذكية والتي تضيف إلى الإبداع إبداعاً، وإلى الريادة تميزاً حضوراً، تراهن عليه وتقف إلى جانبه باعتباره وجه الوطن المشرق. أتذكر أستاذي الدكتور الطيب عبدالعزيز المقالح وهو يحاضرنا في الأدب الشعبي في 1993م، كان ينحت الكلمات والعبارات والجمل والمواضيع والصور من وجدانه ليحفرها في صفحات عقولنا بتشويق وروعة وجمال, يستشعر أن كل عبارة يتلفظ بها يقف خلفها تاريخ عريق وحضارة إنسانية, يتمثل الوطن وينبض قلبه وعقله بحكاياته وأساطيره وإبداعه وعنفوان البقاء. إنه وطن في ضمير رجل وحويصلة مبدع من الطراز الفريد؛ أستغرب أن يمر مبدعونا وقامات الوطن دون أن نحتفي بهم؛ نسجل نبوغهم ونحفره في وعي وتفكير الأجيال اليمنية. لماذا لا نستنفر وسائل الإعلام في بلادنا على اختلافها وتنوعها لتسهم في تعريف الأجيال اليمنية بعمالقة الإبداع وطابور طويل من المبدعين والمفكرين والمثقفين ورجال الكلمة وأهمية إبداعهم ومساهماتهم وإضافاتهم في الساحة العربية والدولية؟!. تمنيت لو أن قنواتنا الفضائية تعرض بعد كل برنامج فقرة لمبدع أو شاعر أو مفكر أو مثقف يمني تجسيداً وتجذيراً للانتماء وحب الوطن والمبدعين معاً, نعرفهم بأن الإبداع ولد هنا في اليمن حيث ولدوا وترعرعوا. في اليمن مبدعون بعدد أحجارها وأشجارها؛ إن مات منهم فيمت بصورة مشابهة لتلك الأشجار الرائعة التي تعانق السماء, يمر مبدعونا وعظماؤنا بجوارنا ولا نحس بهم, إننا مفتونون بالآخر القادم من خارج الحدود إلى حد الجنون, مع أن غالبيتهم لا يرقون إلى مرتبة نجوم وعمالقة اليمن على كثرتهم. بدأت الحكاية مع المرحوم البردوني والفضول والزبيري ولطفي جعفر أمان وجرادة والمحضار, وتستمر حكاية الإبداع اليمني مع المقالح والصريمي والرازحي والديلمي والفتيح ومحمود الحاج ومحمد أحمد منصور وغيرهم كثيرون على امتداد خارطة اليمن يتوزعهم الإبداع مثلما تتوزعهم المعاناة وصفحات النسيان. هنيئاً بجائزة العويس شرف الحضور إلى صنعاء لتكون وشيخ المبدعين اليمنيين على موعد. [email protected]