تعد السياحة حقيقة اجتماعية وإنسانية واقتصادية وثقافية لا يمكن إلغاؤها أو التراجع عنها, ويكتسب أثرها بالنسبة للمعالم الأثرية والمواقع التاريخية أهمية خاصة, بل يتزايد عمقاً واتساعاً نظراً للتطور الذي تشهده صناعة السياحة بكافة نشاطاتها في الوقت الحاضر وتركيزها الكبير على التاريخ والثقافة . وإذا نظرنا إلى أبعاد النشاط السياحي كظاهرة انتشرت بشكل كبير في الربع الأخير من القرن الماضي والعشر السنوات الأولى من هذا القرن من خلال انتشارها الواسع الذي تمخضت عنه نتائج عميقة الجذور بالنسبة للجنس البشري, فإننا نرى ما أحدثته السياحة من تأثير بالغ على بيئة الإنسان عامة, وعلى المواقع التاريخية والمعالم الأثرية بصورة خاصة كما هو الحال في السياحة التي تنتهجها البلدان النامية ومنها بلادنا والتي تكون معظم الزيارات إليها متركزة على مشاهدة المعالم الأثرية والاطلاع على تاريخ المواقع والمدن التي تمتلك بلادنا حظاً وافراً منها. ولكي تبقى هذه المعالم تؤدي دورها بكفاءة فانه ينبغي دراستها وترميمها والحفاظ عليها والعمل على اعتبارها عنصراً رئيسياً في السياسات المعنية بتطوير السياحة وعلى جميع المستويات من كونها الدعامة الرئيسية للتوجهات المطروحة أمام السياحة الثقافية التي تشهدها بلدان العالم اليوم. إن السياحة الثقافية هي ذلك الشكل من السياحة الذي يهدف ضمن غاياته الأخرى إلى اكتشاف المعالم الأثرية والمواقع التاريخية ويمارس اثراً ايجابياً عليها عن طريق صيانتها والمحافظة عليها تنفيذاً لغايات السياحة المتمثلة في انتقال الإنسان للمتعة والترويح والاطلاع على مخلفات الماضي, كما أن هذا الشكل من السياحة يبرز في الحقيقة الجهود التي تبذلها البشرية لصيانة التراث الثقافي بسبب فوائده الاجتماعية والثقافية بالنسبة لجميع السكان. ومهما تكن دوافع ومزايا السياحة الثقافية, فإنه ليس من السهل دراستها بمعزل عن الاستخدام العشوائي والمسرف للمواقع التاريخية بل يجب أن تقوم على ضرورة احترام لخصوصيات المواقع وصيانتها لكي تؤدي دورها كعناصر بارزة في الجذب السياحي وانتشار الثقافة وتنظيم الحركة السياحية المندفعة نحو استخدام المواقع لتفادي الاكتظاظ فيها. وتأسيساً على كل ما أوردناه, وبالنظر إلى رصيدنا من تلك المعالم والمواقع التي تغطي مساحات واسعة من ارض التاريخ ومهد الحضارة (اليمن السعيد) وما تلاقيه من إهمال متعمد في بعض الحالات ونهب وتدمير في حالات أخرى, ولما تواجهه من سكوت تستهدف في مجملها طمس معالمنا وتدمير هويتنا إلى ابد الآبديين , فإنه من الأحرى أن ينال تراثنا الثقافي الأولوية على جميع الاعتبارات الأخرى التي قد تبرر من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كجزء من احترامنا لتراثنا أولاً ولجذب انتباه المثقفين من حولنا إلى عظم تراثنا الثقافي وثرائنا الحضاري أو لتأثيره المباشر على صناعة السياحة بصورة شاملة.