الصحوة التي انتابت الرئيس الروسي الراحل بوريس يلتسن قبيل تسليم السلطة لسلفه بوتين لا يمكنها أن تسجل في تاريخ الزعماء العرب الذي يواجهون الآن محنة أقسى من تلك التي واجهها يلتسن في نهايات عهده بالسلطة، وحتى نقف على بعض تفاصيل الموضوع لا بأس من استعادة وامضة لسيرة بوريس يلتسن، فقد تدرّج يلتسن في المراتب الحزبية حتى أصبح عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي على عهد الاتحاد السوفيتي الكبير، وكان معروفاً عنه قوة الشخصية والقدرة الفائقة على البوح، والاستعداد للمغامرات السياسية، وطوال فترة بريجنيف المُتكلّسة بالبيروقراطية والاعتداد بالقوة المطلقة كان يلتسن من أكثر المنتقدين لآليات الحزب والدولة السوفيتية، ولكن من داخل النظام، بل من قلب المؤسسة السياسية، وعندما تتالت وفيات كهنة الكرملين كان يلتسن يتأهب لدوره الموعود، وبالرغم من جعجعة البريستريوكا والقفزات الأكروباتية لسابقه غورباتشوف إلا أن المراقبين العليمين بأسرار الكرملين كانوا يدركون أن يلتسن قادم لا محالة، وأنه سيطيح حتماً بمن يقف أمامه، وهذا ما كان. فقد بدا يلتسن بطلاً منقذاً وهو يتصدّى للمحاولة الانقلابية ضد غورباتشوف، معتلياً ظهر الدبابة بكامل قامته الروسية المُتطيّرة ، وحالما عاد غورباتشوف من استراحة منفاه الافتراضي استقبله يلتسن وسلمه مفاتيح الكرملين، فبدتْ يد يلتسن العليا خيراً من يد “ غوربي” السُفلى .. تلك المفاتيح لم تكن حقيقة بيد غورباتشوف، بل بيد يلتسن الذي سرعان ما قام بتفكيك الاتحاد السوفيتي بعد أن أرغم غورباتشوف على أن يأكل مرارة الثوم الحارق بفمه، لينهي بضربة واحدة الاتحاد السوفيتي وغورباتشوف معاً، ويستبدل القوة السوفيتة العتيدة بصيغة مطاطة تحت مُسمى اتحاد الجمهوريات المستقلة، مُبقياً على الاتحاد الروسي بعد أن تربع على عرشه.