نسمع اليوم أن كلفة الحرب على العراق فاقت 200 مليار دولار وهو مبلغ يمكن تحقيق مشروع مارشال عربي فيه فتربح أمريكا قلوب العرب ويدخل العرب في حلف أمريكا أفواجاً. وأفضل ما يملك القلوب الإحسان إليها. وأعظم ما يستخرج من الإنسان ما يقوم به بقناعته أكثر من إكراهه. ولكن سخرية التاريخ كما قال (هايزنبرغ) الفيزيائي الألماني لصديقه (انريكو فيرمي) في كتابه (حوارات في الكل والجزء)عن هتلر أنه يعرف أنه سيهزم لأن الحرب تدار بالتكنولوجيا ولكن متى كانت الحرب عقلانية؟ فهذا هو الشرك العالمي وهو الذي يقتل الأمن وكما قال إبراهيم عليه السلام «وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم». لقد أتت أمريكا واحتلت العراق وقد تلتهم الأوبيك وتحتل أكثر من العراق وتسيطر على النفط من بحر قزوين حتى الخليج وتتحكم في سعر البترول فتجعله كما تريد وتعيد رسم خريطة المنطقة كما فعلت روما من قبل ولكن كما يقول (أوري افنيري) إن أمريكا لن تغادر في اليوم الثاني بل ستبقى ولسنوات طويلة ولكن سيحصل معها كما علم الأمراض بتشكيل المضادات في الدم وتبدأ المقاومة لهدم روما وعندما ترحل ستطوق الدولة الصليبية في فلسطين المنطقة بحزمة مخيفة من دول تكرر قصة صلاح الدين مع ريتشارد قلب الأسد. وتلك الأيام نداولها بين الناس. فيجب أن لا نحزن ونستبشر بقانون التاريخ الذي يمشي دوما باتجاه ما هو خير وأبقى. والمصائب توقظ الأجيال لأن ذلك يعمل لصالح التاريخ فهذه قوانين وجودية تحكمنا وتحكم البشر جميعا عرباً وأمريكان. ونحن اليوم نواجه أمم متحدة مصابة بالعنة في مواجهة روما الجديدة. كما كان العالم بعد معركة زاما عام 146قبل الميلاد. ولكن قانون التاريخ دفن روما فلم يبق من الكولوسيوم سوى الأطلال. ولو أن ألمانيا النازية انتصرت لما أمكن لهتلر أن يصنع أمم متحدة أسوأ من هذا الموجود. فماذا كان سيصنع أكثر من أن يعطي لنفسه وإيطاليا واليابان حق الفيتو. وهو المعنى الذي لم يكن يتكلم عنه أحد ونطقت به وزيرة العدل الألمانية وقالت إن بوش يتصرف مثل النازيين. لقد انفجر بوش غيظاً من هذا التشبيه ولكن بوش نفسه صرح في نفس اليوم من أن الأممالمتحدة ستلحق بالمرحومة عصبة الأمم ولكن الشيء الذي لم يقله الاثنان أن تتحول الأممالمتحدة إلى ديمقراطية عالمية. وإذا كان هذا الهدف بعيداً لا يتحدث عنه أحد ولكن سيأتي اليوم الذي يدينون فيه حق الفيتو كما شبهوا أمريكا بالنازية. ونحن نراهن أن المحن سوف تدفع العرب إلى الاتحاد تحت الضغط كما في تحول الكربون إلى الماس. فكلها قوانين سواء في الفيزياء أو البيولوجيا أو علم الاجتماع. فهو أمر سوف يتكرر مع أمريكا ولن تكون استثناءً في التاريخ.