كان السؤال مُلحاً عن موعد خروج الإسلام من الجزيرة العربية, لماذا كان عام 633 ميلادية حينما أرسل الصديق الجيوش الإسلامية لمواجهة فارس وبيزنطة؟ ولماذا لم يكن عام 533 ميلادية مثلاً, والله أعلم حيث ومتى وأين يجعل رسالته. وفك هذا الموضوع وإنارته يحتاج لاستعراض أحداث التاريخ؛ فعندما نزلت سورة الروم وهي سورة مكية تقول إن الروم هزموا فرح المشركون كون الفرس أقرب لمشركي الجزيرة العربية، والروم يبقون في الأصل أهل كتاب. ولكن القرآن يذكر أن انتصار الفرس سينقلب إلى هزيمة وسوف يتم ذلك في بضع سنين. وكلمة البضع في اللغة العربية تفيد رقماً يتراوح بين الثلاثة والتسعة. أي أن هزيمة الفرس ستتم في أقل من عشر سنوات. والآية تقول عن ذلك اليوم ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. وبمحاولة تطبيق الأرقام أي متى نزلت السورة ومتى حصلت هزيمة الروم بالتواريخ الميلادية؟ نرى أن هزيمة الفرس المنكرة جاءت متطابقة مع العام الذي انتصر فيه الإسلام في الجزيرة العربية في معركة الخندق، وكان بعد نزول سورة الروم ببضع سنين، حيث كان يوم الخندق نقطة تحول سياسي في تاريخ جزيرة العرب؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال بعدها: اليوم نغزوهم ولا يغزونا؛ لأن العرب واليهود اجتمعوا في أقوى قوة لهم, ثم هزموا ولم يكن لهم ليجتمعوا بعد ذلك الاجتماع أبداً. وحسب “توينبي” المؤرخ البريطاني في كتابه “تاريخ البشرية” فإن كسرى هاجم عام 604 م بيزنطة وكانت فاتحة لأشرس حروب المنطقة بين الرومان وجيرانهم الإيرانيين منذ أن التقى الفريقان لأول مرة سنة 53 قبل الميلاد. وقد وصل الفرس مرتين على الأقل إلى الشاطئ الآسيوي لمضيق البوسفور. وفي سنة 622م كانوا على وشك أن يلتقوا “الافار” الذين كانوا يحاصرون القسطنطينية من الجهة الأوروبية، لولا أن الأسطول الروماني حال دون ذلك, وبكثير من الصعوبة. وقد احتلت فارس سورية وفلسطين ومصر وليبيا وكانت هذه أول مرة يصل فيها الفرس إلى هذه النقطة غرباً منذ عام 331 قبل الميلاد. ولما قام الرومان الشرقيون بالهجوم المضاد وصلوا شرقاً إلى أبعد مما وصل إليه شرقاً أي جيش روماني منذ عام 117 م وفي سنة 628 م كاد الإمبراطور الروماني هرقل أن يصل إلى العاصمة الفارسية, ثم انتهت الحرب كما توقفت بخلع الإمبراطور الساساني. وكانت الدولتان قد بلغ منهما الجهد غايته. وفي هذه اللحظة الحاسمة دخلت إلى المسرح القوة الإسلامية, التي كنست أنقاض الدولتين بسهولة بين الروح الجديدة وترحيب شعوب المنطقة بهم واستنزاف القوة العسكرية للإمبراطوريتين. “غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون؟”.