ليس تلسكوب هابل في السموات العلى على بعد عشرات الكيلومترات ولا بالومار الذي تفتخر به أمريكا والذي كشف بواسطته الفلكي الأمريكي ادوين هابل في الخمسينيات من القرن العشرين حقيقة تمدد الكون, بل هو تلسكوب بارانال في تشيلي. ويلقب بالمرقاب الأعظم VLT = very larg Telescope فقد درس الأوربيون مناخ العالم ليروا أفضل مكان جاف ليس فيه غيوم, ويمكن رصد السموات العلى بعين لا تنام وكمبيوترات ساهرة, فرأوا المكان في صحراء أتاكاما في شيلي حيث الهواء جاف وليس من غيوم في 350 يوماً من السنة ويبعد 170 كم عن أقرب مدينة في صحراء لا ضرع فيها ولا زرع. وهناك على قمة جبل بارانال على ارتفاع 2600م عن سطح البحر بدأ العمل منذ عدة سنوات في منطقة يجبى إليها ثمرات كل شيء رزقاً من شيلي وأوروبا. وكان الأمر الأول أن فجروا رأس الجبل, فأصبح مسطّحاً يحوي مساحة مستوية تعادل أربعة ملاعب كرة قدم, وقطعوا بذلك من رأسه 28 متراً إلى الأسفل فلم يعد حاداً وأزالوا معه 490 ألف متر مكعب من الصخور والرمال, وهو ما يكفي أن يملأ اثنين من الكولوسيوم, أي الملعب الروماني المشهور الذي كان يتسع أيام أباطرة الرومان لثمانين ألف متفرج. ولولا الديناميت لكان عمل قرون, واشتركت في المشروع تسع دول أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا والسويد وهولندا وفرنسا, وتتم دراسة المشروع في سبع سنوات. والمهم في هذا المقراب العملاق أنه ليس واحداً بل أربع قطع, أي أربعة تلسكوبات متصلة ببعض بحيث يظهرها الكمبيوتر وكأنها مرآة واحدة. وتم تركيب المرآة في ماينز في ألمانيا من سيليكات نقية بحيث يكون قطر كل مرآة ثمانية أمتار, وتم تبريد الزجاج خلال ثلاثة أشهر حتى يبقى متماسكاً, ثم جرى صقل المرآة في باريس في أشهر طويلة من العمل الدؤوب. ثم جاءت المهمة الأصعب في حمل المرآة التي تزن الواحدة 42 طناً إلى أمريكا الجنوبية على ظهر سفينة يجب أن لا تصدمها عواصف وأمواج وأعاصير, وهذا تطلب المرور في مناطق هادئة ضاعفت المسافة وزمن الشحن ولكنها وصلت بسلام. ومن ساحل تشيلي تم حمل المرآة إلى الجبل على شاحنات بسرعة 5 كم في الساعة ما يعادل مشية الرجل العادي , بحيث أخذ الطريق لقطع مسافة 170 كم ثلاث أيام بلياليها, أما الكيلومترات الثلاث الأخيرة فاحتاجت إلى ثلاث ساعات. وأهمية هذا التلسكوب الجديد أنه سيفتح أعيننا على أسرار الكون ورؤية المحيط المتلاطم من عالم السدم, بحيث نرى السموات ليس بقطر مرآة من ثمانية أمتار بل 32 متراً, وهذا يعني حدقة عين تذكر بعالم الجن وأساطير السحرة. ومن المحزن لنا أننا نرى ماذا يفعل القوم في الوقت الذي نعجز عن حل مشاكلنا اليومية, وهو فرق الدين من نوم آباءنا الطويل على قصص شهريار وشهرزاد ودنيا زاد ومن نام عن الكون فإن الله لا تأخذه سنة ولا نوم.