ما أقسى أن ترى وطنك أمام عينيك تتطاوله أيادي الأعادي، وما أقسى أن يكون أعداء الوطن هم من قلب الوطن ومن أبناء جلدتنا ..ما أقسى أن ترى وطنك يمزق أمام ناظريك .. أن تشاهد تلك الضحايا من الناس مابين قتيل وجريح مابين صراخ وأنين ..منشآت تهدر وتنهب، ومنازل تدمر على ذويها وفاجعة وويلات وأناس يروَعون من قريب وبعيد ،ومآسٍ تجتر مآسي ،القلوب واجفة والعيون دامعة والفاجعة عمت البلاد والعباد ومن يعش بغير هذا الحال فلن يكون من أبناء هذا الوطن .. هذا ما كنا نخشاه ونتحاشاه. تلك الفتنة الملعونة التي تظللت بثياب الثورة والتغرير، وتناولتها أيادي الأحزاب الذين قادوا زمامها حالهم كزبانية جهنم حين يجترونها من خطاطيفها إلى أرض المحشر وهي تزفر وتزمجر ويخر الخلق أجمعين جاثمين على ركبهم من هول فزعها وشدتها وزفيرها... أشعلوا نيرانها وقدموا الشباب وقوداً لها وسلالم يصعدون على أكتافهم ودمائهم، وتحت مظلة الثورة والتغيير كل ذلك من أجل الكراسي من اجل المناصب وإرضاءً للأحقاد الدفينة في قلوبهم الموغورة .. من أجل البؤس الذي يعشش في صدورهم الصدئة العارية من الإيمان من القيم من الرحمة.. من يبيع وطنه فليس بإنسان، من يقتل السلام ليس بإنسان، من يبيع الأمان ليس بإنسان .. وهكذا أصحاب الأهواء في كل زمان ومكان ، من اجل غاياتهم سيفعلون المنكرات وفق المبدأ الميكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة» هذا شعارهم الذي استمدوه من الكفرة المنظرين .. حالهم كمن يغالب على الرزق بالحيلة أو الجريمة ويستخلص قوته كما يرتزق الوحش بالمخلب أو الناب، لا رفع رب لهم راية ولا بلغهم غاية وأسأله بوجهه الكريم وقدرته على الخلق أجمعين أن يجعلهم عبرة وآية.. كل قطرة دم أريقت، كل نفس أزهقت، كل منشأة وكل منزل دمر، وكل شقاق دب بين أفراد المجتمع، وأصبح الشجار في كل شارع ودار ، فريق في الجنة وفريق في السعير والكل في محنة وأنين .. كل فاجعة وقلق واضطراب كل غمامة حزن وألم خيمت في البلاد والعباد ، سيكون وزرها رصيداً مخزياً في صحائف تلك الرؤوس الكبيرة من الأحزاب وحلفائهم ممن غرروا بالشباب يتقدمهم الزنداني ومن يتبعهم من أشباه العلماء والخطباء والشيوخ ،وأنصاف المثقفين وأشباه المفكرين الذين اغتررنا بهم في يوم من الأيام ... وأنصتنا إلى خطاباتهم الرنانة وكلماتهم المنمقة وسجلنا حروفها في سطور ذاكرتنا ردحا من الزمان .. و كنا نعدهم رموزاً للمجتمع نقتدي بهم ونرجع إليهم ونأنس بوجودهم ونأخذ بآرائهم، اعتبرناهم الصفوة والنخبة الزاكية من بين الأفراد ..قدمناهم كقدوات إيجابية للشباب الذي هو أحوج ما يحتاج إلى قدوات حقيقية تقودهم إلى بر الأمان.. ترتقي بفكرهم وسلوكهم وثقافتهم وقبل ذلك ترتقي بوطنيتهم وولائهم .. غرورا بتلك المسميات الجوفاء، الدكتور فلان والأديب فلان والمثقف فلان والأستاذ فلان و..و..و.. إلى مالا نهاية... من تلك البرجوازيات البالونية ،من أعلنت لنا شهاراً جهاراً انتكاسها الفطري وعقمها الفكري كأن بصيرتها أصيبت بعمى الألوان وانجرفت في زوبعة الماديات المتجردة من الإيمان .. فعلاً هانحن نراهم اليوم قدوات للشباب،.. نعم قدوات ... ولكن على أبواب جهنم ،هاهم يقدِّمون تلك الفتنة العظيمة بكل همة واجتهاد إلى قلب هذه الأمة ليقتلوا البلاد والعباد دون وازع من ضمير أو عقل منير ... تلك الاتفاقية التي تتباكى عليها الأحزاب ويتناصحون بالالتفاف حولها بكل همة واجتهاد، لأنها ستكون لهم درع الأمان، ستكون لهم باباً مفتوحاً سهل الدخول من خلاله ،ولكن خيب الله آمالهم وسود وجوههم، ولربما حجبت لكنّها لم تُحجب برفض الرئيس «حفظه الله ورعاه» ولكن حُجبت بإرادة الله بدعاء أولئك الضعفاء والمساكين أولئك القابعين في منازلهم القانعين بقليلهم،قوتهم يومهم بيومهم ،لا يطمعون بكرسي ولا منصب يغمر قلوبهم الإيمان ..وتصفو نفوسهم بالفطرة الربانية النقية التي لم تلوثها الماديات ولم تصدئها الأحقاد ولم «تزغلل» عيونهم الأطماع .. أقسى أمانيهم الأمن والاستقرار وقوفهم عند قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» حديث حسن، في الأدب المفرد للبخاري - يوقنون أن ما أصابهم من بؤس أو حزن هو بأمر الله وليس بأمر الإنسان كائناً من كان .. ويترفعون عن سباب السفهان أو الخروج عن السلطان، سلاحهم في كل الأحوال هو الدعاء في جوف الأسحار على من أثاروا الفتنة وأشعلوا النيران. فهنيئاً لذوي الأحزاب رصيد مخزٍ في صحائف أعمالهم من الحسرات والويلات .. والعاقبة للتقوى .