يواجه الإنسان في حياته مواقف وأحداثاً عديدة، ويتعرض في مسيرته لنقد وتأثير مقصود وغير مقصود، ولا يستطيع المرء غلق الأفواه أو كسر الأقلام في ظل أنه يعطي ويبني ويؤثر، ولن يسكت هؤلاء عنه، فلا يفاجأ المرء إذا أهدى أحداً قلماً فكتب به هجاءه، أو منح جافياً عصاً يتوكأ عليها فشج بها رأسه، أو دعم لئيماً فانقلب عليه، فهناك أناس جبلوا على الجحود والخبث، وتنكروا لأيادي الخير والمعروف كما فعلت ضبعة بأعرابي أجارها في خيمته، فأخذ يرعاها ويطعمها ويسقيها، وبينما هو نائم ذات يوم بأمان، وثبت عليه فبقرت بطنه وهربت، فجاء ابن عمه ووجده ملقى على تلك الهيئة، فتبعها حتى قتلها، وهو ينشد : ومن يصنع المعروف مع غير أهله يلاقي كما لاقى مجير أم عامر أعد لها لما استجارت ببيته أحاليب ألبان اللقاح الدرائر وأسمنها حتى إذا ماتمكنت فرته بأنياب لها وأظافر فقل لذوي المعروف هذا جزاء من يجود بمعروف على غير شاكر وبالمثل فالشدائد خير امتحان لإظهار معادن الرجال وبيان وفائهم وثباتهم على الحق، وليس بظواهر الأمور تصدر الأحكام، فقد ثبت في الأثر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب يثني على رجل آخر فقال له : هل أنت جاره الأدنى الذي تعرف مدخله ومخرجه؟ قال : لا ! فقال : هل كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق ؟ قال : لا ! فقال : هل عاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل ؟ قال : لا ! فقال عمر للرجل: أظنك رأيته قائماً في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه ويرفعه؟! قال : نعم !! فقال عمر : اذهب فليس تعرفه، وائتني بمن يعرفك ؟! تأمل راحة يدك هل ترى أناملك متساوية الحجم والطول، وتأمل الأشجار من حولك تجدها تتغذى من تربة واحدة، وتسقى بماء واحد، وتتنفس الهواء نفسه، وتستظل في سماءً واحدة، ومع ذلك فهي مختلفة الحجم والشكل والثمر، مختلفة الطعم واللون والرائحة، وكذلك هم البشر متنوعون في طباعهم وثقافاتهم وسلوكياتهم وإن كانت فطرتهم واحدة، وهذا التنوع سنة إلهية، ولكن ذلك لا يمنع أن تضع بصمتك الخاصة بك، وألا تكون شخصية متكررة عن الآخرين، فكثيرون هم الذين ينسون أنفسهم وقناعاتهم وقدراتهم لينصهروا أو يتقمصوا شخصيات و آراء الآخرين، والله تعالى يقول : “ ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات..” “البقرة : 148”، وفي ذلك يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الاستقلالية بقوله : “لا يكون أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن، وان أساء الناس أساء” أو كما قال ، وقديماً قال الشاعر : أشدد يديك بمن بلوت وفاءه إن الوفاء من الرجال عزيز ويقول آخر : فلم أر كالأيام للمرء واعظاً ولا كصروف الدهر للمرء هادياً وما أكثر الأصحاب حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل وما أعجب زماننا، وما أعجب مانراه ونسمعه، ففي هذه المحنة التي نمر بها، كشفت لنا الأيام والأحداث عن منحة عظيمة ميزت لنا فيها الخبيث من الطيب، وبينت صنوفاً من البشر، وظهرت آراء وتحليلات شخصية وموضوعية، وخطب وفتاوى، وسب وتجريح وصمت وتصريح، أقوال وأفعال وسلوكيات ماعهدناها في ديننا أو في أعرافنا الاجتماعية، وفي هذا الإطار يشخص ابن عباس رضي الله عنهما في زمانه رؤية تنطبق على واقعنا الحالي، إذ يقول : «عهدت الناس وهواهم تبع لأديانهم، والناس اليوم أديانهم تبع لأهوائهم» وفي ذلك قيل : إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقاً وتستح مخلوقاً فما شئت فاصنع. فكيف تقبل الفطرة السليمة الفرح والشماتة والمجاهرة بمصيبة مسلم، بل كيف يكون الصمت تجاه استباحة دم امرىء مسلم؟! بل كيف يكون الجرم تجاه قتل امرىء مسلم وهو قائم يصلي في مسجده ؟! بل كيف يكون هذا الفعل في يوم جمعة ؟! وكيف يكون التعدي في رجب الحرام ؟! ماهذه الأفعال ؟! بل ماهذه المشاعر والقلوب القاسية بحثاً عن السلطة ؟! دونما رادع؟! وماهذه الجرأة على الله تعالى، وهو القائل : «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً» “النساء: 93”، هذا فعل وخلق يرفضه ديننا الإسلامي، وسلوك لا ينم عن شجاعة أو رجاحة عقل أو اتزان، لأن المسلم العاقل ينزه نفسه عن كل عيب، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله تعالى من شماتة الأعداء، فما بالك بقتل النفس، وحتى لا يكون الجزاء من جنس العمل حذر الإسلام من الشماتة، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك” رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ويقول في حديث آخر : «أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة هو منها برئ يشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال» ، وعن خالد بن معدان عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله» رواه الترمذي، وهذا السلوك لا يفيد سوى أنه يورث البغضاء والعداوة بين الناس وبالتالي يعمل على تفكك المجتمع..والأدهى أن المرء يجد في هذه المحنة العداوة والبغضاء قد بدت من الأفواه وماتخفي الصدور أكبر، وصارت سهام الكراهية موجهة نحو شخص بعينه، نحو رأي مختلف، نحو وطن، دون إبداء الأسف أو الندم أو الاعتذار لما يجري ؟! يروى أن موسى عليه السلام سأل ربه أن يكف ألسنة الناس عنه، فقال الله عزوجل : “ ياموسى ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم، وإنهم يسبونني ويشتمونني”، ولذلك هي دعوة للمراجعة الشاملة، هي دعوة للم الجراح وإصلاح ذات البين والإنصاف، وإعادة بناء منظومة القيم والأخلاق منهجاً وسلوكاً، وإعادة جسور الثقة التي تقطعت بين أبناء الأمة وبين مختلف الأطراف في الساحة علماء وفقهاء وخطباء ووجهاء ومعارضة وسلطة ومشائخ وشباب.. الخ، هل نحن نشرع لعمل حضاري مستقبلي أم نؤسس لثقافة الشارع ؟! وعودة الجاهلية بعد الإيمان ؟!..إنها فتن شديدة حذرنا منها نبينا الكريم فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو الفقيه بالفتن كما جاء عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي أنه قال : “ إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا فلينظر فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة، وإن كان يرى حراماً كان يراه حلالاً فقد أصابته الفتنة”، فالتقلب في الدين وفي الرأي على غير هدى وبصيرة فتنة عظيمة، فمرة يؤيد الحق وأهله، ومرة يؤيد الباطل وأهله، والمهتدي من هداه الله، والمعصوم من عصمه الله. وفي تحديد لمصدر الفتنة أو مكان ظهورها يذكر ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله “ص” وهو مستقبل المشرق يقول : ألا إن الفتنة هاهنا ثلاثاً من حيث يطلع قرن الشيطان” رواه الشيخان، وفي رواية لمسلم : “ رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان” والمراد بالمشرق شرق منطقة نجد، وفي حديث آخر يذكر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول :«اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا وفي نجدنا، قال : اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا وفي نجدنا قال : هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان»!! ويرى البعض أنه بالرجوع إلى التاريخ والجغرافيا لتحديد هذه المنطقة حالياً وجد أنها : “دولة قطر” شكلاً ومضموناً، ويرجع نسب حكامها إلى مضر بن تميم المعاضيد والذين هاجروا من أشيقر في أرض مسيلمة الكذاب “اليمامة” ونزلوا وادي نعام في نجد !! كما لم يعد خافياً على أحد دور حكام قطر في حمل لواء الفتنة وزعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية، وبناء علاقات ومصالح مشبوهة مع أطراف معروفة بعداوتها للإسلام والمسلمين، والتعاون مع كل الأطياف المستغلة والمنشقة في منح صكوك الشرعية للفوضى الخلاقة، وسحب الثقة من القيادات الشرعية،وتقديم الدعم المادي والمعنوي والإعلامي لتفتيت الوحدة الداخلية لكل بلد عربي، والدعوة المبطنة لعودة الاستعمار الصليبي من جديد إلى المنطقة العربية أو الوصاية عليها، ودعم الحملات الانتخابية لزعماء الغرب، وحل مشكلات الغرب بثروات العرب من خلال افتعال الأزمات السياسية في المنطقة، واستضافة الندوات الفكرية والسياسية لرموز من الفكر المعارض، ونشر مشكلاتهم عبر منبر الجزيرة، وعرض أزمات أوطانهم في بيئة غير بيئتهم، ووطن غير وطنهم، والتحدث مع أناس غير أبناء جلدتهم، فهل مثل هذه النماذج تبتغي الإصلاح الشامل لأوطانهم؟! أن تبتغي النصرة من الخارج؟! أهؤلاء ملائكة يمشون على الأرض، ومنزهون عن كل عيب؟! قال تعالى:{فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى}النجم: 32يعيبون غيرهم وينسون أنفسهم، ولو كان فيهم خيراً لتواضعوا لله تعالى ثم لخلقه وقدموا نموذجاً رائداً وجنبوا البلاد والعباد الفتن والفوضى، وآثروا السلامة للجميع وبأسلوب حضاري قال الله تعالى{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}البقرة:44. إن أية مشكلة لا تحل إلا من خلال خطوات علمية صادقة ومحددة، فتبدأ أولاً بإصلاح الذات، ثم إصلاح بيئتك الأوسع أسرتك وعائلتك وأصدقاؤك ثم مجتمعك ووطنك، ولا شك أن كل الأطراف سلطة ومعارضة يشكلون نظاماً واحداً في سفينة واحدة، والمزايدة على مشكلات البلد،وعرضها هنا وهناك، لن تفيد الوطن والمواطن بشيء، والتصريحات الرنانة، أو البحث عن داعمين ومؤيدين أو تأزيم وضع البلد في سبيل انتزاع السلطة، كلها التفاف على الديمقراطية والشورى،ولا تصب في مصلحة وسلامة اليمن الحديث، يروي الترمذي في سننه عن أنس رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( الأزد أسد الله في الأرض يريد الناس أن يضعوهم أي يحقروهم ويذلوهم ويأبى الله إلا أن يرفعهم أي ينصرهم ويعزهم وليأتين على الناس زمان يقول الرجل ياليت أبي كان أزدياً، ياليت أمي كانت أزدية) أوكما قال ولذلك من لديه القناعة والقدرة لتطوير وبناء وطنه ينبغي عليه أن يعتز بيمنه ثم يمد يديه إلى أخيه للعمل الجاد والمثمر خطوة بخطوة، لا أن يمد يديه إلى اعداء بلده ليفرق بين أهله ويمزق أرضه..فالمرحلة الحالية والمستقبلية تحتاج إلى رجال صابرين صادقين مخلصين لوطنهم قبل أحزابهم، عملهم الصالح يسبق قولهم، قال تعالى{واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا}الكهف :28 وليكن التعامل مع أية قضية حسب حجمها ووزنها، دون ظلم أو غلو، فالصحابة الأبرار كان همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة فنالوا رضوان الله تعالى، ورجل كان معهم أهمه جمل شرد عليه ففاتته البيعة فكان جزاؤه الحرمان من المشهد العظيم، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، قال الشاعر: لقاء الناس ليس يفيد شيئاً سوى الإكثار من قيل وقال فأقلل من لقاء الناس إلا لكسب علم أو اصلاح حال وبشر الليل بصبح صادق، وبشر المهموم بفرج قريب، وإذا رأيت الصحراء تمتد فاعلم أن وراءها رياضاً وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع، والمعصوم بشر صاحبه وهو في جوف الغار طريداً شريداً فقال: إن الله معنا فنزل الأمن والسكينة والنصر، ومن المحال دوام الحال، ومن العبادة انتظار الفرج، وفي هذا يقول الشاعر: يا أيها الجيل الطموح تنبهوا فلكم رأينا جاهلاً وحقودا يدعو الشباب لكي يصوب سهمه في قلب وطنه الحبيب عقابا أيكون هذا الفعل منهج مسلم درس العلم وقد وعاه كتابا فاستمسكوا بالحوار نهجاً يهب النجاة ويفتح الأسبابا باحث دكتوراه في التنمية الإنسانية