ربما تحت وطأة الظروف القاهرة...يصبح الطفل “عجوزاً” ويتعلم الكبار فنون الرومانسية وإن كان البعض لم يعرف منها إلا اسمها، فأزمة المشتقات النفطية، والاعتداءات المتكررة على أبراج الكهرباء من قبل “مافيا التخريب” أجبرت الناس على العودة إلى ماضي الأضواء الخافتة سواءً كان مصدرها فوانيس«الكيروسين» رغم عدم توفره، أم الشموع التي أصبح الحصول عليها حلماً من الأحلام في ظل جشع التجار المحتكرين لهذه السلعة في أزمة الظلام...!! ما لفت انتباهي لهذه التناولة «جارتنا لطيفة» حين قررت ليلة “الخميس” أن تشاهد فيلماً هندياً من إحدى الفضائيات التي تعودت أن تبث لمشاهديها أفلاماً هندية مدبلجة...ونسيت أو تناست “جارتنا لطيفة” أنها تعيش أطول فيلم على الطريقة اليمنية...فأعادتها صفعة الواقع المر إلى ماهو أبعد من الرومانسية المفقودة في زمن اللا إنسانية ممن أوصلوا المواطن إلى أقصى درجات اليأس والإحباط...سواءً قطّاع الطرق أو التجار الذين استغلوا الأوضاع أسوأ استغلال ويبيعون السلعة بأضعاف سعرها في ظل غياب الرقابة أو حتى الطامحين بكرسي “السلطة” على جثث وجماجم الشهداء..!! كل ذلك تناسته«جارتنا لطيفة» وأرادت أن تهرب من ذلك الواقع الذي يلاحقها حتى في كوابيس “نومها”...وقررت أن تسهر مع فيلم هندي بجوار«عمو لطيف» وتقضي ليلتها بلحظاتٍ تسرقها من عمق المأساة...فكانت الصاعقة أن الكهرباء التي أضاءت منزلها للحيظات قد انقطعت بعد “15”دقيقة...!!فصممت أن تسهر وتقاوم الظروف وتشتري شموعاً لسهرتها...فخذلها بائع “الشموع” في عدم وجود شمع لديه وإن وجد فالشمعة ب«200» ريال فقط...!! وحاولت “جارتنا لطيفة” ألا تعدم الحيلة والوسيلة لتصل إلى غايتها..فعادت إلى مصباحها القديم لتشعله وتكمل سهرتها بجوار “عمو لطيف” فلم يكن الواقع ألطف من “رومانسيتها” وتحسرت أن “الكيروسين” أصبح عزيز المنال في ظل الأزمة الطاحنة..فأقسمت أيماناً مغلظة أن تصعد إلى السطوح ليكملا سهرتهما على ضوء القمر وتغني “لعمو لطيف” أغنية فيروز حورية السكون “أنا والقمر جيران” ونسيت “جارتنا لطيفة” أنها سمعت في ذلك الصباح من الراديو أن الفلكيين تنبأوا بخسوف القمر في تلك الليلة...وتفاجأت بضوئه يختفي رويداً رويداً...وسمعت مكبرات الصوت من المساجد تبتهل بالدعاء إلى الله وتصلي صلاة “الخسوف”..فأجهشت بالبكاء في حضن “عمو لطيف” وأكملا سهرتهما بطريقتهما الخاصة جداً...!!