رمضان فرحتان، فرحة بقدومه الكريم وفرحة برجوع رئيسنا إلى شعبه العظيم إلى وطنه الكبير إلى محبيه الأوفياء الثابتين.. لعلّ رمضان يُطبّب كل جراحنا، لعل رمضان يمسح بمناديل رحماته دموعنا، لعل رمضان يرد ببركاته الرشد إلى شبابنا، ولعلّ رمضان شهر القرآن يحيي وتيرة الاحتكام لكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ليعلم الناس أنَ الزيغ عن كتاب الله وسنة رسوله ظلال وضياع وهلاك..” تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك “.. ألا ما أشد حاجتنا للوقوف بإنصات وإكبار وإجلال أمام هذه المعالم النبوية العظيمة.. ألا ليت العقلاء يرجعون وليت الغافلين يصحون وليت المخطئين يتوبون، فرمضان منحة ربانية لمن أراد أن يتوب ويستوجب رحمة الله عليه، الفرصة سانحة وأبواب العفو والمغفرة مفتوحة والعاقل من راجع نفسه واعترف بخطئه واستغفر لذنبه.. كأنني بنفحات رمضانية ملائكية تظلل سماء بلادي تنثر عبقها على كل الأوراق تلفح بنسائمها الزكية تلك الوجوه الصبيحة المشرقة بنور الإيمان الساكنة أنفاسها بذكر الرحمن، ذلك الأريج الممتد من أنسام الجنة ليكشف لنا شيئاً من أسرارها العظيمة التي لا تحسها أو تستشعرها إلا تلك القلوب البيضاء الزاهرة بتباشير الرحمن الفرحة بقدوم رمضان - عذرا رمضان : رمضان يرقبنا ونرقبه.. يطالعنا ونطالعه.. ينادينا من بعيد ونناديه.. يأتينا ونأتي إليه نقول له : جئتنا يا رمضان بحبك وبهجتك وجئنا نحن إليك بجناحين أحدهما يحمل الحب والآخر يحمل جراحاً دامياً.. جئناك نحمل قلوبنا الضعيفة وأوجاعنا القاسية فتكون ضعفاً على ضعفِ فعذراً رمضان.. جئنا إليك بين فرحة تغمرنا لملاقاتك وبين ألم يعتصرنا لما حل بنا.. وأزداد شوقنا إليك أضعافاً مضاعفة لنشكو إليك ما نزل بنا، لنشكو إليك فُرقة دبّت في أوطاننا نشكو إليك أحزاباً فرقت شبابنا ونشرت الفوضى في ربوع بلادنا نشكو إليك فاجعة حلت بيمننا نشكو إليك أفكاراً عقيمة فسخت عقول شبابنا, فعذراً رمضان. جئتنا رمضان وبلادنا تمر بمنعطف مخيف.. جئتنا رمضان وكم بيت مؤتّم.. وكم أم أضحت ثكلى، وكم زوجة رُملت، وكم طفل يُتم، وكم أسرة شُردت، وكم بيت هُدم، وكم مصلحة تعطلت وكم فرد فُجع في أهله وأحبابه، وكم جريح في المستشفى يقضي رمضان يشكو آلامه وأحزانه، وكم فقير ازداد فقراً وكم بائس ازداد بؤساً، القلوب أدماها الإعياء والعيون تفطرت بكاء والوطن كله في شكاء.. كم عمّ الحزن والآلام بلادنا، وكم دبت الفجيعة بين جوانح صغارنا وكبارنا، وكم قلب جريح وكم أم تصيح وكم أب مكلوم.. فعذراً رمضان. جئتنا رمضان وكم فرد ودعناه وأصبح من أصحاب القبور.. وكم شاب في ربيع عمره كان بالأمس بيننا، كان يرقب مجيئك كما نحن نرقبه فحالت دون بلوغك الأقدار.. جئتنا رمضان وهذا الشعب العظيم فيما هو فيه صامد صابر مؤمن يترقب طلوعك كل حين وهو يلهث بالدعاء ويتضرع بالرجاء أن يُكشف عنا هذا البلاء وما يلاقيه الوطن ويعانيه من شماله إلى جنوبه يدعو على من أشعل نيران الفتنة وشق يد الطاعة وفارق الجماعة.. فعذراً رمضان !!