ماكان أحد من اليمنيين يعرف قدر السيدة الكهرباء قبل هذه الأزمة الماحقة التي تسجل صفحة سوداء في كتاب التاريخ اليمني الحديث وأي سواد يبلغ هذا الدمار الذي خرب أجمل مدينة في الشرق العربي من حيث هواؤها النقي وصفاء أهلها وطيب مائها وأناقة بساتينها . صنعاء ملكة الزمان ومصدر الأمان تغنى بها الشعراء والأدباء وحج إليها كبار العلماء من الخليج شرقاً حتى الأطلسي غرباً وكانت مهوى أفئدة المحبين والعاشقين.. في خزانتها عوالم من المعرفة وفي قلوب أهلها مساحات مستغرقة بالسلام والود والحبور والتلقائية، هذه المدينة وغيرها من مدن اليمن أصبحت ثكنة حربية لظلام قاتل صاخب وقلعة سجن عامرة بالخوف والرعب والترقب الهلوع. هكذا صنعاء ومدن وقرى اليمن أصبحت معزولة عن العالم ، لغياب الكهرباء هذا النور الذي يمزق ظلام العزلة والخوف ويزيل كآبة ورتابة الوقت.. هذه السيدة الكهرباء كم نفتقدها، في المطبخ عندما تمنحنا الغذاء وفي غرفة الجلوس عندما تصلنا بالعالم وفي النوادي عندما يتعرف الجيل الجديد على أجيال من الشرق والغرب وفي الورش والمصانع عندما نستضيء بمنجزات المعرفة . أيتها الكهرباء الفقيدة كم كنا نتجاهل فضلك الخطير ولا نقدر نعمتك الوفيرة الغالية عندما كنت تمنحيننا الحياة ويسري بهاؤك في عروقنا، تمنحيننا الدفء عندما تهم جحافل البرد القارس بمهاجمة المنازل والضياء عندما يغطي الظلام عيوننا ويلف عقولنا وترسلين لنا الطمأنينة عندما يطغى الأشباح السود شوارعنا وأزقة حاراتنا . أما أطفالنا فحزانى جداً فلم يعودوا يشاهدوا عالم الأطفال البريء، وقد لايكون هذا مهماً بل إن لعلعة الرصاص ودوي الانفجارات والإيقاع المرعب لأحذية الفوضى هو أكثر مايخيفهم خاصة عند انطفاء الكهرباء .. الكهرباء هي نبض الحياة ولغة العالم وحس المجتمع وطمأنينة الأفئدة. أفتقدناك يا أمنا الكهرباء، كم نحن قساة وعاقين لقد عققناك ولست وحدك التي بادرناها العقوق، فصنعاء عققناها أيضاً وعزاؤنا وعزاؤك وعزاؤك ياأمنا الكهرباء أننا مجانين ولكن برغبتنا. آه كم هو الجنون حقير وسافل وبغيض.. اعذرينا أيتها السيدة الكهرباء.