أعلم أنني أمشي حافياً على مسامير حادة ودامية وأتعرض للإرهاب الفكري والجسدي، لكنني بصفتي ناقداً سأستمر في رفع لافتة للمطالبة بإعادة الأمن والاستقرار، ولست بحاجة للقول إن أولئك الذين ينادون باجتثاث ما تبقى من النظام العائلي على حد قولهم إنما يريدون خلق الثأرات السياسية والاجتماعية وتمزيق مؤسسات هذا الوطن. فهل يعقل أن يصادر الناس عقولهم ويذهبون وراء أولئك الذين يعتبرون الحرس الجمهوري والحرس الخاص والطيران والدفاع الجوي والبحرية والأمن والشرطة والأجهزة الأمنية وما تبقى من الشعب بقايا النظام العائلي ينبغي إزالتهم؟!. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل المطالبون بالتغيير راضون عما وصلت إليه البلد من تدمير للبنية التحتية وإراقة الدماء وارتفاع المتارس وتعطيل الحياة اليومية وانتشار المسلحين وتحويل جامعة صنعاء وبعض المدارس إلى ثكنات عسكرية، أم أن على عيونهم غشاوة فهم لا يرون ذلك؟!. أستطيع القول إن مشروع ثورة 26 سبتمبر يتهاوى؛ وبقاياه تجري إزاحتها من قبل أولئك الذين رفضوا الثورة منذ يومها الأول، والمثقفون والسياسيون يتسابقون إلى الفراغ. ولا أخفيكم قلقي من تحوّل الإعلام الرسمي والانضمام إلى هذا الفراغ، فقد تحول دون سابق إنذار إلى آلة دعائية شرسة لمصلحة الفوضى، فالبعض احتمى كما قال من المتطرفين بالانفصاليين، والبعض أصبح يرفع شعارات التثوير واللعب على العواطف. لقد تحول الإعلام الرسمي إلى إعلام تثويري يدعو إلى الدهشة والرثاء المهني والأخلاقي، لقد أسقطت صحيفة «الثورة» أهداف الثورة من الترويسة، وإنه لأمر يدعو إلى التوقف ملياً أمام هذه الصحيفة التي سميت باسم الثورة لتقف اليوم لتمحو أهداف هذه الثورة!!!. الشعب يتوقع من الإعلام الرسمي أن يتوقف أمام حكومة الوفاق الوطني ويساعدها على المضى نحو المستقبل ولفت نظرها إلى الخروقات التي تتم هنا أو هناك. نحن أمام مبادرة وآليات تنفيذية لها، لم يتحقق من هذه المبادرة حتى هذه اللحظة سوى اقتسام السلطة، أما ما دون ذلك فلا شيء.. أين هي اللجنة التفسيرية التي نصّت عليها الآليات والتي يفترض أن تشكل بعد 15 يوماً من التوقيع على المبادرة تكون مهمتها تفسير نقاط الخلاف التي تنشأ بين الطرفين، ثم أين هي اللجنة العسكرية، ولماذا لم تعقد مؤتمراً صحفياً حتى هذه اللحظة لكي تقول لنا من هو الطرف المعرقل للمبادرة، ألم أقل إن الإعلاميين أصبحوا تائهين فاقدين للرؤية السياسية أو بمعنى أصح للقراءة النقدية الصحيحة؟!. أستطيع القول إن الإعلام الرسمي أصبح غير قادر في ظل هذه الفوضى على التعبير عن مجمل الواقع المجتمعي بتعقيداته الاقتصادية وتناقضاته الاجتماعية والسياسية والثقافية. يفترض من هذا الإعلام أن يسهم - وخاصة في هذه المرحلة - في نشر وتعزيز وتعميق ثقافة التنوير وفكر التغيير الشامل انطلاقاً من تفعيل الحقوق المدنية والحقوق السياسية والحقوق الاجتماعية والثقافية. نريد أن يتحول الإعلام الرسمي إلى إعلام مجتمعي يؤمن بحق الشعب في المعرفة، بعيداً عن الانحياز لمصالح المسيطرين على المتارس التي تتوسع كل يوم. نحتاج إلى إعلام يعكس بأمانة والتزام مفهوم الحرية لكل الناس، يستطلع آراء المواطنين الذين حوصرت بيوتهم ومحلاتهم من قبل المخيمين والمليشيات والعسكر لمعرفة الضرر الذي حل بهم. للأسف إننا لم نحسن ترتيب أولوياتنا فتفرقت بنا السبل حتى اختلط الحابل بالنابل، وأصبح من واجب هذا الإعلام إن كان يحترم نفسه أن يرسم لنفسه قواعد واضحة لاحترام مفهوم الحرية. إن مهمة الإعلام هي تنظيم الحق بما يحول دون مصادرة حق الآخرين وحفظ حق المجتمع الذي لا ينبغي أن يكون رهينة لأمزجة شخصية أو مصالح آنية؛ أو بمعنى أصح لدكتاتورية أقلية مليئة بالعقد والكراهية تحاول فرض نفسها على الجميع بقوة الأمر الواقع. لم يعد أمام وزير الإعلام سوى أن يستفتي ضميره ويسأل نفسه: هل إلغاء أهداف ثورة سبتمبر هو مهمة وزارته، وهل هو راضٍ عن هذه الفوضى التي تأخذ الوطن إلى متاهة يصعب الخروج منها؟!. أعتقد أن أصدقائي في «الثورة» و«الجمهورية» و«14أكتوبر» مطالبون بالتركيز على الوفاق الوطني وفتح الشوارع.. وإخلاء جامعة صنعاء من العسكر؛ ذلك سيكون مشرفاً لهم أمام أبنائهم وأمام التاريخ.