رباه إليك أشكو هجر كتابك، فأطبقت الظلمات على كل الأرجاء لم يعد يُرى إلا السواد. رباه قد ارتفع الصراخ والعويل لم يعد يسمع أصوات البلابل، رباه قد انتشرت الجيف في كل مكان فلم يعد هناك مكان للروائح الطيبة، رباه قد احترقت الجلود فاختفى الإحساس اللطيف، رباه قد يبست الوجوه فظهر قبحها. رباه قد ندرت الابتسامات ليحل محلها التكشير، رباه قد اجتثت الأشجار الطيبة فحلت محلها الأشجار الخبيثة، رباه قد قست القلوب فصارت أصلب من الحديد، رباه قد اختفت فصول السنة فلم يبق إلا الشتاء القارص، رباه قد اختفى الأكسجين فلم يبق إلا ثاني أكسيد الكربون. رباه قد عم الفساد في البر والبحر والجو بما كسبت أيدي الناس، رغم ذلك لم تستفق ضمائر المتنفذين، فوسائل الإعلام لا تبث إلا القتل، والمساجد لا توعظ إلا بالفرقة، والمدارس والجامعات لا تدرس إلا الجهل، والناس لا يتناقلون إلا أنباء الفاسقين، والأحزاب تتبنى الطائفية والمذهبية.. رباه إليك أشكو انتشار فتاوى التكفير والقتل واختفاء فتاوى الإيمان والعمل والصالح. رباه إليك أشكو الاسراف في قتل العقل الذي حماه كتابك و المبالغة في التنطع في حماية الخرافة التي أنتجها بعض البشر المتنفذين حتى لو ترتب على ذلك إهلاك الحرث والنسل.. رباه إليك أشكو تشويه كتابك الكامل والذي يهدي للتي هي أقوم، لصالح أقوال المفسرين والمحدثين.. رباه إليك أشكو هجران كتابك وإحلال الحكاوي والقصص والفتاوى محله. رباه إليك أشكو ضعف التسابق على الخيرات لصالح التنافس على الايذاءات، لقد تم تلويث الثقافة العامة لم تعد حاملة للتسامح الذي حض عليها كتابك، وإنما محرضة على التقاتل والتخاصم والتنافر والتناحر التي بررها الكذابون.. رباه لقد سقط شعار التعاون على البر والتقوى الذي أمر به كتابك وحل محله التآمر في الإثم والعدوان التي انتجتها الصراعات السياسية.. رباه إليك أشكو قتل الناس بعضهم بعضاً بدون مبرر.. رباه إليك أشكو الاسراف في القتل والتقرب إليك بالقتل والتعبد لك بالكراهية.. رباه إليك أشكو بثي وحزني كي تنقذنا من ذلك حتى لا ينقرض البشر ويبقى فقط الشياطين. شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا.. إنهم يا ربي يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. إنهم يا ربي يبررون قتل المسلم لأخيه المسلم طمعاً في السلطة، إنهم يا ربي يقتلون باسمك وأنت المحيي والمميت، إنهم ياربي يزعمون أنك اخترتهم على غيرهم وأنت ياربي لم تنزل إليهم وحياً غير ما أنزلته على نبيك محمد صلى الله عليه و سلم، إنهم يدعون أنهم يدافعون عنك وأنت القوي العزير الجبار المتكبر القاهر. إليك أشكو يا إلهي ظلمهم لعبادك وأكلهم السحت وسماعهم للكذب وممارستهم للتضليل. إليك يا إلهي أشكو إفسادهم في الأرض وإهلاكهم الحرث والنسل، إليك أشكو يا إلهي طغيانهم وفسوقهم وفجورهم. إليك أشكو يا إلهي إجبارهم غيرهم على ممارسة أفعالهم المنكرة وإلا الصقوا بهم أبشع التهم ومارسوا عليهم أقسى أنواع التعذيب والإذلال، إليك يا إلهي أشكو إقصاءهم ومحاربتهم لمن يأمر بالعدل والإحسان، إليك يا إلهي أشكو عدم ترك من تركهم يعيش بسلام. يا إلهي إنك تعلم ولا أعلم و تقدر ولا أقدر، يا إلهي إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا إلهي إني أقر إليك بعجزي عن تغيير أوضاع كهذه، يا إلهي إني أشكو إليك عدم قدرتي على التأقلم مع أوضاع كهذه، فبعد أن ضاقت عليّ الأرض بما رحبت لم يبق لي إلا أن أشكو إليك بثي وحزني. إني يا إلهي أقبل بحكمك وقضائك. لكني أسألك رحمتك وأسألك عفوك وأسألك حفظك واسألك لطفك الخفي. ولا يسعني إلا أن أقول ربي آتني من لدنك رحمة وهيئ لي من أمري رشداً.