علمانية الطيب أردوغان .. دروس في طريق الإسلاميين (1 - 7) المصالحة بين الإسلام والعلمانية لا زال الفكر العربي المعاصر يعيش في متاهات الزمان والمكان، حيث تبدو استجابته لأزمات الواقع العربي ومشكلاته متأخرة ومرتبكة وشكلانية في غالبيتها. فهو إما خطابات وعظ ونصح، أو في أحسن أحواله يقوم بتقديم الوصفات الجاهزة والحلول السحرية لمختلف المشكلات والأزمات. وقليلة هي المحاولات التي تتعامل مع البحث والتنقيب كأسلوب لاستكشاف الحلول المختلفة للظواهر دون تبني مواقف مسبقة ومنهجيات مُعَدة سلفا، صالحة في نظر أصحابها لكل زمان ومكان. وفي هذه الحلقات سيحاول الكاتب قدر الإمكان رسم صورة من جميع أجزائها للنموذج الأردوغاني في تركيا، الذي قدم نموذجا تصالحيا بين الإسلام والعلمانية حقق نجاحات كبيرة في عالم السياسة والاقتصاد والثقافة والدعوة إلى الإسلام أيضاً. مقدمة أردوغانية في 1997م تمكن الجيش التركي من الإطاحة بنجم الدين أربكان رئيس الوزراء يومئذ وحظر حزبه وإقصائه من العمل السياسي، ما اضطر أربكان الى ممارسة دوره القيادي من وراء ستار تلاميذه، وهو ما قاد إلى انقسامهم بين تيار ظل على ولائه له شكل حزب السعادة، وتيار شكل حزب العدالة والتنمية في أغسطس 2001م بزعامة الثنائي رجب طيب اردوغان وعبدالله غل. تأسس حزب العدالة والتنمية على نفس الخلفية الإسلامية، ولكن وفق استراتيجية مختلفة قامت على تقدير مختلف للتجربة ولجملة المواقف والأولويات. وصل العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002م بعد عام واحد فقط من تأسيسه، وحقق فوزاً كبيراً وأغلبية ساحقة، بحصوله على (363) مقعدا، من أصل (550) مقعداً في البرلمان التركي، أي ما نسبته (34 %)، من أصوات الناخبين، بالرغم من قصر عمره الذي لا يتعدى سنة واحدة تقريبا. ثم استمر هذا النجاح وازدادت شعبية الحزب وهو يحكم فانتقل من 34 % سنة 2002م إلى 48 % سنة 2007 بزيادة حوالي 13 % ، وإلى 50 % في 2011م، هذا النجاح والتطور المفاجئ استدعى الوقوف مع تجربة هذا الحزب وزعيمه أردوغان. المصالحة الإسلامية العلمانية لم يكن صراع التيار الإسلامي مع التيار العلماني في تركيا صراعا عاديا، بل كان صراعا عنيفا وقويا، أثر هذا الصراع وترك بصمات واضحة على مسيرة التيار الإسلامي، وعرف تحولات هامة في مسيرته، السياسية أو الاجتماعية، أفرت هذه التحولات ميلاد توجه جديد يمثله حزب العدالة والتنمية بزعامة الطيب أردوغان. شكل هذا الحزب نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية عموما، وفي مسار التجربة السياسية الإسلامية في تركيا خصوصا. أبانت تجربة العدالة والتنمية التركي على قدر كبير من الواقعية والمرونة السياسية في تعاطيها مع مختلف القضايا والملفات المطروحة، مما أهّلها إلى النجاح الكبير الذي حققته سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. اللافت للنظر في تجربة العدالة والتنمية محاولتهم تقريب وجهات النظر بين العلمانية والإسلام، في محاولة منهم لردم الهوة القائمة بين الإسلاميين والعلمانيين والانطلاق بجهود مشتركة من أجل نهضة تركية شاملة. انتهج العدالة والتنمية مبدأ تصالحيا مع العلمانية في محاولة منه لتأسيس أرضية مشتركة بين العلمانية والإسلام، كل الذي حاوله (العدالة والتنمية) بعد تجارب مريرة مع تلك العلمانية الدكتاتورية هو إعادة تعريفها على نحو يدرأ سيفها عن رقابه، متجاوزاً العلمانية الشاملة التي تفصل الدين عن قيم ومنظومة الحياة والأخلاق، إلى تعريف جديد للعلمانية من خلال تأكيده أن جوهر العلمانية يتمثل في الحرية والديمقراطية ومنها الحرية الدينية، بما يفرض على الدولة العلمانية أن لا تكتفي باحترام الاديان وإنما تحميها وتدافع عنها، وإلا لم تكن علمانية بحق بل فاشية. ساهمت المواءمة بين الإسلام والعلمانية التي اتخذها حزب العدالة والتنمية في تجذير قواعد التيار الإسلامي في المجتمع التركي، وسهلت مشاركته الطبيعية في الحياة السياسية، كما أن تلك المواءمة حدت بالمثقفين العرب إلى إعادة قراءة المفاهيم والمنطلقات، وهو ما حدا بحسن حنفي والجابري محمد عابد إلى القول بأن “الإسلام دين علماني في جوهرة، ومن ثم لا حاجة له لعلمانية زائدة عليه مستمدة من الحضارة الغربية. إنما تخلفنا عن الآخر هو الذي حول الإسلام إلى كهنوت وسلطة دينية ومراسم وشعائر وطقوس وعقوبات وحدود حتى زهق الناس واتجهوا نحو العلمانية الغربية بما يمثله من عقلانية وليبرالية وحرية وديمقراطية وتقدم. فالعيب فينا وليس في غيرنا، وفي تقليدنا للغير وليس في إبداعنا الذاتي. (في حوار المشرق والمغرب، ص 38). هذه المصالحة ساهمت بشكل كبير في تحقيق التناغم والانسياب الهادئ بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، مما أتاح للإسلاميين مشروعية المشاركة في الحياة السياسية، ووفقا لمبدأ المصالحة أصبح للإسلاميين الحق في تغيير أو تعديل مفهوم العلمانية وقضايا أخرى في الساحة التركية، إذا يرى الإسلاميون الأتراك أن العلمانية التي صاغها أتاتورك ينبغي أن ينالها قدر من التغيير، فالعلمانية حسب أتباع أتارتورك تعني فصل الدين عن الدولة، ثم إخضاع الدين ومؤسساته لسلطة الدولة، فكأنهم اتخذوا من العلمانية سلطة لمحاربة الأديان لا لحمايتها، والذي فعله التيار الإسلامي وهو النأي بالدين من أن يكون تحت سيطرة الدولة بل ويجب على الدولة أن تضمن لأي دين استقلاليته. وهذا ما حققه الإسلاميون في تحويل مفهوم العلمانية داخل تركيا من علمانية ديكتاتورية قسرية يخضع فيها الدين لسلطان الدولة إلى علمانية حقيقية تكفل مزاولة الدين والحريات الدينية للجميع. من هنا بدأت هوة الخلاف بين العلمانيين والإسلاميين تقل، كما أثرت هذه التجربة على الكثير من الأحزاب العربية أكانت إسلامية أم سياسية. حيث بدأنا نلحظ مدى التقارب بين الإيديولوجيات المختلفة. واليوم ما يجرى بمصر بغض النظر عن أي الأطراف على حق، إلا أن تلك الأحداث مؤشر خطير يوحي بعودة خلافات الستينيات والسبعينيات بين الإسلاميين والقوميين. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك