كطائر الفينيق تنتفض عدن من بين الرماد، متوشحة راية الوطن ثلاثي الألوان، راية مايو قبل أن التفت عليه قفازات التقاسم في الثروة والإنسان، تنفض عنها رماد مشاريع العنف والتقسيم أيضاً. خارج إطار الانتهازية والنفعية ، بعيداً عن بقعة الدم ودخان البارود كانت عدن تضرب موعداً مع الألق والبهاء، بعد أن أوحلت فيها الكثير من معاني الطيش والعبث، وقفت عدن في الحادي والعشرين من فبراير تحدو أبناءها صوب المستقبل. المستقبل الذي حاولت أن تنحره قوى الصراع التاريخي البئيس لتقدمه مضرجاً على أنه المصير القادم الذي لا بد منه إن لم تعد تلك الكائنات الدموية للتمكن من الجنوب أرضاً وانساناً . الحادي والعشرون من فبراير العام المنصرم كان فصلاً داكناً كاد أن يفتك بكل ما يتنفس في عدن، لكنها - أي عدن - أحيت تلك الذكرى الأليمة على هذا النحو لتُعلم الجميع أن عدن لا تموت مهما أثخنتها الجراح وأدمتها الأوجاع. عدن تقف اليوم حاملة مشعل الوطن كل الوطن لتعيد الاعتبار لأول شهداء ثورة فبراير في هذه المدينة والوطن ككل، وكأني بالشهيد محمد علي شاعن يقف والابتسامة تملأ محياه مع رفاقه من مشهد ساحة العروض بكريتر صبيحة الأمس القريب. لن يزايد أحد بعد اليوم على عدن، أو بالأحرى ستجافي تلك الترهات الواقع والمنطق, منطق الحشود الكبيرة التي تراصت في ساحة العروض بعدن تحيي العلم (وسيبقى نبض قلبي يمنيا). عدن حملت مشعل الوطن الكبير، اتكأت على جراحها الغائرة بشكيمة المحارب لتواصل المعركة، «هرمجدون» تحضر من سراديب الأسطورة العبرية لتدور رحاها على أرض الواقع في حوافي التواهي والمنصورة والشيخ عثمان، وبسرديةٍ أكثر تشويقاً وانسياباً، الخير سينتصر كما تقول الأسطورة، وعدن أيضاً ستفعل، ستنتصر على مشاريع الطيش والعبث . وسيبقى فيها الهواء ( ملون ) كما غنى لها فنان تعز أيوب طارش، رغم كل نظرات التربص والترصد ، ستستعيد عدن عافيتها كما كانت قبل أن تلوثها أيادي النهب والبطش تارة، ومخططات التآمر وأموال السفارات الإقليمية تارة أخرى. ستبقى عدن التي عرفناها بناسها الطيبين وهواها الذي يبعث على السكينة.. بشواطئها التي توزع الحب على الجميع دون اعتبار للجهوية والمناطقية.. ستبقى المدينة التي تذوب فيها كل الاعتبارات الدينية والمذهبية والقبلية لتبقي الاعتبار لمفهوم واحد لا شريك له وهو الإنسانية. عدن بمليونية الثورة هذه تركل كل الماضي بحسابته القذرة الذي يراد لها أن تظل حبيسته وتعيد الاعتبار لكل معاني الحب والجمال، ستعيد الاعتبار لذاتها بالدرجة الأولى بعد أن لطخها البعض وهو يشحذ بمظلوميتها وبطهرها ونقائها على أبواب السفارات والمنظمات العالمية. أخيراً: لا يعني كل هذا الاحتشاد الذي احتشدته عدن في ذكرى انتخاب عبدربه منصور, لا يعني أن عدن أصبحت في (الجيب) يجب أن يتنبه الحكام الجدد لهذه المعادلة الدقيقة, خروج أبناء عدن يعني أنهم لن ولم يحيدوا عن المطالبة بحقوقهم التي التهمها المتنفذون في الحقبة الماضية. رابط المقال على الفيس بوك