لم يعد الجهل العلمي والمعرفي هو ما نعانيه في بلادنا كون ما تصلنا من خطابات إعلامية تتماشى وتقنية العصر هي النتاج الفكري للجيل السبتمبري الثالث لتتجلى صور الإدراك لحقيقة المدى في حاجتنا الملحة إلى الوعي الكامل والقدرة البليغة لفك شفرة رموز ومضامين تلك الرسائل التي لم تكن صعوبتها سببا لرغبة الاستقبال كون الأخير لا يأتي مجبراً فقط لحظة الحدث العام أو بما يفرضه الواقع الشخصي ,ولعل موجة الصراعات السياسية الملقحة بنسائم الربيع العربي والمخلفة لغليان جماهيري ثائر كان الواقع الذي شهد ترقبا إعلامياً واسعاً ومنقطع النظير مما يفصح عن قدرة التفهم لدى المتلقي المشكل لذلك الصدى الرنان الذي ساعد وبقوة لما شهدته وسائل الإعلام من انتشار وتوسع بدرجة فاقت زمن ما قبل الثورات العربية .حيث تعد هذه المرحلة عاملاً هاماً وبارزاً ساعد على نقل المتلقي إلى عالم واسع من المعرفة والوعي الفكري والثقافي, ولكن هناك ما يدعو بالفعل إلى الغرابة والكامنة في تلاشي ذلك الصدى الكبير الذي كانت تحصده مختلف وسائل الإعلام, وخصوصا فترة الغليان الجماهيري الثوري , ولعل التنقيب عن اهم الأسباب فيما يحدث من هجر وتراجع جماهيري يعود بنا إلى شلل “الطائفية” التي أصيبت بها مؤخرا وسائل الإعلام حيث اصبح التغريد من تلك المنابر حسب الانتماءات والنزعات العرقية والطائفية ,وهي الطامة الكبرى في معاناة ونزوح المتلقي بل وسبب رئيسي في تقوقع الخطاب الإعلامي لتلك الوسائل المتناثرة.. عند ولوجنا نهج الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي حتى وان كنا نجهل التطبيق الفعلي لمضامينها إلا أن بلادنا شهدت وخاصة في الآونة الأخيرة حراكاً ونشاطاً إعلامياً غير مسبوق تضمن نمواً متسارعاً لمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية , وحقيقة كان هناك ترقب وبشغف كبير لعملية النمو الفكري والثقافي الذي سيشهدها واقع مجتمعنا من خلال زرعها في نفوس الأجيال الرسائل السامية كهدف أساسي وجدت من أجله ,ولكن ومن خلال خطوط السير المنتهجة لذلك الكم الهائل من الصحف والقنوات الفضائية التي لم تخرج فقط عن مسار دورها الحقيقي وقداسة المهنة بل أضحت وسائل ملطخة بالصبغة الطائفية حيث تسعى بكافة طاقاتها وجهودها لغرسها في عمق فكر وجسد أبناء المجتمع اليمني , لتحتل بذلك اهم أسباب التوسع في شروخ وجروح الوطن والمتمثل في واقعنا اليوم من أحداث الصراعات الطائفية والحزبية لتكون الأوضاع المعيشية والسياسية والثقافية والصحية هي ضحية تلك الأضرار الوخيمة , وهو استغلال واضح للفجوة العميقة الواقف خلفها الدور الرئيسي لوسائل الإعلام المفتقرة للكثير من مقومات السياسة الإعلامية وفي مقدمتها البحث في صلب الدراسات الميدانية لما كان يفترض أن يكون في مقدمة عملنا الإعلامي وهو “الكيف “ والقادر على تصحيح مفهومنا حول إحداث قفزة إعلامية من خلال “الكم” المعروف بفشله الدائم لتحقيق الأهداف المرجوة ..إن حقيقة الصراع الإعلامي لم تغب عن شتى بقاع العالم فهو يخفق عندما يغرد بعيدا عن القيم الاجتماعية والمفاهيم الوطنية وبالمقابل يحقق نجاحه لحظة توخيه التفرد العنصري الأعمى على وتيرة نهج الإعلام الخاص ووسائله في بلادنا ,حيث يبحث الإعلام العالمي عن مكامن الوتر الحساس ليس لشريحة معينة تنتمي لحزب أو طائفة بل لمحاولة توسيع النطاق الجماهيري عبر تعميم الرسائل الإعلامية, ودليله هو الأسلوب الشنيع الذي يشنه كحرب ضد الإسلام والمسلمين ليحتل مقدمة غزواته لنا ..فعلى سبيل المثال عند احتلاله للعراق لم يفاجئ العالم بذلك فقد سبقه ترويج إعلامي دعائي إذ إن من خلاله العراق بتشكيلها خطرا على المنطقة العربية والعالم بأسره وفي المقابل لم تسع وسائل الإعلام الأخرى الأهلية والمعارضة في عموم دول أوروبا إلى تشويش الفكر الغربي حول ما اعتبرتها حقائق مبتكرة ضد العراق . فأين نحن من إشباع المتلقي بروح الوطنية المفعمة, وليكن صراعنا الإعلامي من اجل البناء وليس في هدم الوطن العديد.. من الصحف والقنوات الخاصة تجلب الغم وتجعلك تحلق معها في رحلة مستمرة عن وطن تصفه بالدمار والمجاعة والانقراض وأخبار لا احد يعرفها سواها – تحلقها والدنيا عوافي – لأن مضمون رسائلها تخلو من مدح الوطن أو الدعوة إلى الوطنية فهي لم تكن قد وجدت لذلك بل للعمل على ترويج حزبها المشلول بنمط الطائفية .... رابط المقال على الفيس بوك