فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    الحوثيون يتلقون صفعة قوية من موني جرام: اعتراف دولي جديد بشرعية عدن!    رسائل الرئيس الزبيدي وقرارات البنك المركزي    أبرز النقاط في المؤتمر الصحفي لمحافظ البنك المركزي عدن    خبير اقتصادي: ردة فعل مركزي صنعاء تجاه بنوك عدن استعراض زائف    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    مع اقتراب عيد الأضحى..حيوانات مفترسة تهاجم قطيع أغنام في محافظة إب وتفترس العشرات    هل تُسقِط السعودية قرار مركزي عدن أم هي الحرب قادمة؟    "الحوثيون يبيعون صحة الشعب اليمني... من يوقف هذه الجريمة؟!"    "من يملك السويفت كود يملك السيطرة": صحفي يمني يُفسر مفتاح الصراع المالي في اليمن    تحت انظار بن سلمان..الهلال يُتوج بطل كأس خادم الحرمين بعد انتصار دراماتيكي على النصر في ركلات الترجيح!    الهلال بطلا لكأس خادم الحرمين الشريفين    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    تعز تشهد مراسم العزاء للشهيد السناوي وشهادات تروي بطولته ورفاقه    مصادر دولية تفجر مفاجأة مدوية: مقتل عشرات الخبراء الإيرانيين في ضربة مباغتة باليمن    المبادرة الوطنية الفلسطينية ترحب باعتراف سلوفينيا بفلسطين مميز    شاب عشريني يغرق في ساحل الخوخة جنوبي الحديدة    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    عاجل: البنك المركزي الحوثي بصنعاء يعلن حظر التعامل مع هذه البنوك ردا على قرارات مركزي عدن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و284 منذ 7 أكتوبر    الحوثي يتسلح بصواريخ لها اعين تبحث عن هدفها لمسافة 2000 كيلومتر تصل البحر المتوسط    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    لكمات وشجار عنيف داخل طيران اليمنية.. وإنزال عدد من الركاب قبيل انطلاق الرحلة    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    حكم بالحبس على لاعب الأهلي المصري حسين الشحات    النائب العليمي يؤكد على دعم إجراءات البنك المركزي لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الإخوان في اليمن يسابقون جهود السلام لاستكمال تأسيس دُويلتهم في مأرب    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    جماهير اولمبياكوس تشعل الأجواء في أثينا بعد الفوز بلقب دوري المؤتمر    مليشيا الحوثي تنهب منزل مواطن في صعدة وتُطلق النار عشوائيًا    قيادي في تنظيم داعش يبشر بقيام مكون جنوبي جديد ضد المجلس الانتقالي    بسبب قرارات بنك عدن ويضعان السيناريو القادم    تقرير حقوقي يرصد نحو 6500 انتهاك حوثي في محافظة إب خلال العام 2023    لجنة من وزارة الشباب والرياضة تزور نادي الصمود ب "الحبيلين"    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    الامتحانات.. وبوابة العبور    رسميا.. فليك مدربا جديدا لبرشلونة خلفا للمقال تشافي    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    حكاية 3 فتيات يختطفهن الموت من أحضان سد في بني مطر    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    وزارة الأوقاف تدشن النظام الرقمي لبيانات الحجاج (يلملم)    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    اعرف تاريخك ايها اليمني!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    رسالة غامضة تكشف ماذا فعل الله مع الشيخ الزنداني بعد وفاته    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات موسم الهجرة إلى الجنوب
نشر في الجمهورية يوم 04 - 05 - 2013

في حيثيات العمالة اليمنية في السعودية ..
تمثل المملكة العربية السعودية لليمن قيمة اعتبارية وفعلية خاصة، تبرز ملامحها بوضوح في القواسم التاريخية والجغرافية والثقافية .. المشتركة، وخلال المصالح الاستراتيجية الكائنة والممكنة، قدرٌ لا يمكن سوى الامتثال دائما والامتنان أحيانا لتبعاته، ودائما يظل باب التفاؤل والعمل الجدي مشرعا لمستقبل علاقات أكثر تميزا بين البلدين، ولصالح الشعبين الشقيقين.
عن العمالة اليمنية في المملكة السعودية :
وجه مسئول يمني رفيع بإنشاء قاعدة بيانات للعمالة اليمنية في الخارج، وهو تصريح خطير يبعث على الدهشة والاستغراب، ويعني عدم توفر هذه البنية المعلوماتية الضرورية حتى الآن..!!، كما يعني افتقار الدولة لأي أرضية إحصائية موضوعية لاستراتيجية فاعلة إزاء هذه القضية بالغة الأهمية، وأن كل الأرقام المعلنة ذات العلاقة عبارة عن تقديرات قائمة على الذاتية أو على إحصائيات محدودة..
وأيا كان الأمر، واعتمادا على بعض التصريحات، يمثل العاملون اليمنيون في السعودية نسبة 80 % من عدد المغتربين اليمنيين إجمالا، وتتراوح أعدادهم بين 2 : 3 ملايين مغترب، نسبة كبيرة منهم من محافظات تعز وإب، ومعظم العمالة اليمنية غير مؤهلة فنيا، وتفتقر إلى الخبرة والتأهيل النوعي، ويعملون في الأعمال العضلية البسيطة التي لا تتطلب مهارات خاصة، كما أن نسبة كبيرة منهم باتت تعمل بصفة غير شرعية، فيما برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة تسول بعض المغتربين، وتهريب الأطفال، والزواج السياحي..
العوامل المؤثرة في السياسة السعودية تجاه العمالة اليمنية:
تتأثر السياسات السعودية تجاه العمالة اليمنية فيها بتحولاتها الداخلية، كما تتأثر بدرجة حاسمة بالعلاقات السياسية بينها وبين اليمن، كتوجهات ومواقف كل منهما في القضايا الإقليمية والدولية من جهة، وكعلاقات ثنائية من جهة أخرى:
- التحولات الداخلية للمملكة:
أحدث تضاعف ارتفاع أسعار النفط وكميات تصديره في السعودية منذ أوائل السبعينات، تحولات جوهرية كبرى في الوضع الداخلي السعودي والخليجي بشكل عام، تكشفت عن طفرة تنموية هائلة اقتضت بنيتها التحتية حاجة ماسة لقوى عاملة كان اليمنيون هم طاقتها الأساسية، هذه الطفرة شكلت بجانب تجاور البلدين عامل جذب جبار غير خارطة الهجرة اليمنية التي كانت توجهاتها المفضلة “غربا” دول شرق افريقيا وامريكا وبريطانيا إلى “الشمال” دول الخليج والسعودية خصوصا، كما كان لانخفاض أسعار النفط في النصف الأول لعقد الثمانينيات من القرن الماضي، أثر آخر غير مسار الهجرة عكسيا باتجاه الوطن، وبدأت معه بوادر التضييق على الهجرة والعمل، في ظل سياسة تقشف اتخذتها دول الخليج حينها، وفي كل وقت كانت أوضاع المغتربين في المملكة والخليج عموما تتأثر بمؤشر أسعار النفط وكميات تصديره، ومدى إنجاز هذه الدول في بناء بنيتها التحتية.
- المواقف الدولية، وأوراق الضغط:
على السياق الإقليمي والدولي تأثرت القوى اليمنية العاملة في السعودية بكثير من المواقف السياسية التي اتخذتها اليمن إزاء الأحداث الإقليمية والدولية، لعل أبرزها الارتباك الواضح تجاه كارثة احتلال نظام صدام حسين للكويت(1990م)، واندلاع حرب الخليج الثانية، ومع أن اليمن لم تنخرط بشكل واضح في الأزمة، وكان ارتباكها السياسي نتاجا لتباين مواقف أحزابها الحاكمة، ومزايداتهم على الشارع السياسي حينها، فقد أدى موقف “اللاموقف” هذا إزاء أزمة الخليج إلى خلق أزمة سياسية مستفحلة بين اليمن وبين دول الخليج بتبعاتها الاقتصادية المدمرة، ومن أهمها عودة ما يقارب من 732.000 عامل يمني في السعودية والكويت إلى “الوطن”.
- العلاقات الثنائية، مدا وجزرا:
من حيث العلاقة الثنائية بينهما، كان هذا العامل واضحا منذ البداية، وخلال فترة طويلة تراوحتها موجات جزر ومد، وتخللتها بعض الحروب الباردة والساخنة، وفي الأغلب كثير من التفاهمات والتقاربات والتكامل السياسي والأمني، انعكست في كل مرة على واقع المغتربين اليمنيين في المملكة، رخاء أو ضيقا.. وكانت قضيتها الرئيسية هي مشكلة الحدود بين البلدين، كما تهتم الدولتان حاليا بعدد من الملفات المشتركة، ذات البعد الأمني والسياسي، من أهمها قضية الحركة الحوثية وقضية تنظيم القاعدة، وتتوقف طبيعة تأثر المغتربين بهذه الملفات على نوعية سياسة الدبلوماسية اليمنية في كل مقاربة سياسية لها.
أزمة العمالة اليمنية في المملكة:
يفترض حسب الواقع الاستراتيجي للبلدين، أن يعامل المغترب اليمني في السعودية والعكس معاملة المواطن الطبيعي، ابن البلد، كاستثناء وامتياز عن الهجرات والعمالات الأخرى، وتحقق ذلك بالفعل فترة طويلة، بيد أن هذه العلاقة المبدئية بدأت لعوامل من أهمها تداعيات حرب الخليج الثانية تنحو منحى آخر يضر بأوضاع ومصالح العمالة اليمنية في السعودية بشكل بالغ، من خلال إجراءات متتابعة ذات صبغة قانونية استحدثت قيودا كان من شأنها تضييق الخناق حول العمالة اليمنية، وتجاهل استثنائها التاريخي.
بدأ الأمر، بعودة العمال اليمنيين، بمئات الآلاف إثر حرب الخليج، ليشعروا بخيبة الظن، وكونهم عبئا ثقيلا على وطن غير عابئ بقضاياه المصيرية، أو بالأحرى مشغول عنها بالصراعات الداخلية، كما قامت المملكة بإصدار قانون يقيد الهجرة والعمل، ويقضي بضرورة الكفيل لكل عامل أجنبي، وأثقل ذلك كاهل العمالة الشرعية، بشراء الكفالات “الفيز” بمبالغ ضخمة، ودفع إتاوات تعسفية دورية باهظة يدفعها العامل اليمني لكفيله السعودي، والخضوع لإرادة الكفيل وما سمي بشروطه المهينة، بموجب نظام الكفالة الذي يصفه البعض بقناع عصري للرق، وتهربا من هذا النظام ارتفعت لاحقا نسبة الهجرة غير القانونية، ومشاكلها اليومية التعيسة.
بمزيد من الأعباء والقيود قضى قانون العمل السعودي الجديد ب«منع العامل الأجنبي من العمل عند شخص غير كفيله السعودي، أو إنشاء مشروع خاص» ويهدد هذا مصالح نسبة كبيرة من العمال اليمنيين الذين يعملون عند غير كفلائهم، وينذرهم برحيل جماعي وشيك، فضلا عن الإجراءات التشددية مع المغترب اليمني، وتضييق خناق حركته والدأب على ملاحقته والاشتباه به وترحيله.. وقد كشفت بعض المصادر أن « عدد المغتربين اليمنيين التي تقوم السلطات السعودية بترحيلهم إلى الأراضي اليمنية يصل يوميا إلى 2000 شخص.»
تداعيات عودة الطيور المهاجرة:
من الواضح أن إيجابيات الهجرة، هي الصورة المقلوبة لسلبيات عودة المهاجرين، ومن المتوقع أن العودة المحتملة لأعداد كبيرة من العمال اليمنيين في السعودية ستؤثر سلبا وبشكل كارثي في جوانب كثيرة من الحياة اليمنية، خاصة في ظل الأوضاع بالغة الحساسية والتعقيد التي تعيشها اليمن في المرحلة الراهنة.
- الجانب الاقتصادي:
يشبه الأمر نضوب النفط، أو فرض حظر على تصديره، ومع كل ما يمكن أن يقال عن ملابسات النفط اليمني، إلا أن تحويلات ومدخرات المغتربين في الخارج لا تقل عنه أهمية في كونها أحد أهم روافد الاقتصاد اليمني، في الماضي القريب، وفي الظروف الاقتصادية الراهنة، من حيث توفير رأس المال القادر على المشاركة بقوة في بناء البنية التحتية للاقتصاد، ومن حيث دعم ميزانية الدولة التي حولت عائدات المغتربين عجزها عام 73م، إلى فائض بحوالي 280 مليون دولار عام 75م، أما حاليا فإذا علمنا أن كثيرا من التحويلات غير معلنة، وما لا يقل عن نصف المغتربين في السعودية يعملون بصفة غير شرعية(متهربين)؛ فإن معظم تحويلات المغتربين اليمنيين تحويلات غير معلنة، وتتم عبر أشخاص، وتقدر بأضعاف التحويلات المعلنة التي تبلغ سنويا حوالي (3) مليارات دولار، النقدية فقط.
وكما أن الهجرة تخفف من أعباء الحكومة المالية في الخدمات، وتمتص العمالة الفائضة، وترفع من المستوى المهاري والفني للمغتربين، فمن البديهي أن عودة العمالة سيضاعف من نسبة البطالة، ويعطل الخبرات والكفاءات النوعية، ويحمل الدولة أعباء كثيرة في فترة تعد هي الأكثر صعوبة في تاريخها.
هذا وتعيش اليمن منذ عقود أزمة اقتصادية مستفحلة بدأت بشكل واضح إثر الهجرة العكسية الكبرى للمغتربين اليمنيين من السعودية عام 1990م، صاحب ذلك انخفاض حاد لقيمة العملة، وارتفاع مهول للأسعار، بلغ على الجانبين ما يقارب 70 ضعفا خلال 22 عاما، في سياق بطالة بلغت في تصاعدها المستمر من 11.9 % عام 2000، إلى 35 % عام 2008م، وارتفاع معدل النمو السكاني دون ارتفاع مناسب للموارد، وفشل السياسة الحكومية في كبح النمو السكاني المتصاعد، في ضوء أن معدل خصوبة المرأة اليمنية ما زال من أعلى المعدلات العالمية، وصولا إلى وضع يفتقد تقريبا لكل الاحتياطات القادرة على استيعاب عمالة فائضة إضافية في ظل أزمة مستفحلة لعمالة سافرة ومقنعة، منذ عقود ..
واقع موضوعي مخيب للآمال:
وفي ظل هذه السياقات المعقدة يصبح من اليقين أن عودة محتملة للعمالة اليمنية في السعودية ستفاقم من ضراوة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة وانهيار اقتصاد منهار أصلا، بحيث لا يحتمل كارثة إضافية، ومن المتوقع أن بعض المحافظات ستكون أكثر تضررا من غيرها بالأزمة، خاصة محافظات تعز وإب والبيضاء.. وغيرها من المحافظات التي كانت وما تزال في مقدمة المحافظات الأكثر معدلا في الهجرة والعمالة اليمنية في الداخل والخارج.
- الجانب السياسي والأمني:
عادة ما يرتبط تجاوز نسبة البطالة لنقطتها الحرجة بالاضطرابات والقلاقل السياسية الداخلية، وفتح ملفات الحسابات القديمة، ونفخ ما تحت الرماد من التباينات، ورفع قابلية الأزمات السياسية الممكن حلها بالحوار للانفجار بشكل عنيف مسلح، وفي انعكاسها على العملية السياسية الراهنة فإن الآثار المترتبة عن مضاعفة نسبة البطالة في اليمن، هي بالفعل كما صرح كثير من الخبراء والمنظمات المعنية “كفيلة بالقضاء على المبادرة الخليجية”.
ولعل من التشاؤم الموضوعي القول إن تداعيات هذه الأزمة ستهيئ الوقود والظروف لفتن وحروب داخلية إضافية، على أسس طائفية أو مناطقية أو قبلية أو فئوية ضيقة، وستعمل على تفتت الوحدة الوطنية واليمنية بشكل أكثر تشظيا مما تتصوره السيناريوهات المتفائلة في هذا الصدد.. خاصة في ظل جاهزية الظروف السياسية الحالية للانفجار بشكل أسوأ مما حدث في حرب صيف 1994م، والتي شكلت عودة العمال اليمنيين من الخليج(1990م) أحد عواملها الجوهرية.
- الجانب التعليمي والاجتماعي:
ساهمت الغربة في الماضي على نشر التعليم بين المغتربين، ونمت خبراتهم الفنية، ووعيهم الفكري والسياسي والإبداعي، فيما هي الآن تتسبب في تسرب نسبة عالية من الطلاب، وتمتص الكوادر والكفاءات النوعية من الكادر الأكاديمي، غير أن قانون العمل الجديد لن يعيد الكوادر النوعية، كما لن يعيد الطلاب إلى المؤسسات التعليمية بقدر ما سيضاعف نسبة البطالة، والتهريب والتجارة غير المشروعة، وتعاطي المخدرات، والانحراف والانحلال الأخلاقي والجريمة والسطو واللصوصية.. كما سيعمل على رفع وتيرة ظاهرة الثأر، وتوفير بنية نفسية للتطرف والتزمت، والاستعداد لممارسة الإرهاب بوعي أو بدون وعي.. مما يهدد النسيج الاجتماعي للأسرة والمجتمع بظواهر اجتماعية سلبية ترتبط عادة بمثل هذه الأزمات، تلبية أو هروبا من الشعور الفردي بالفراغ واليأس والعجز عن تلبية حاجاته الحياتية الملحة والضاغطة.
الممكن الدبلوماسي، وأزمة المغتربين:
يمكن للسياسة، وهي فن الممكن، استخدام أوراق كثيرة لصالح البلدين والعمالة اليمنية بالذات، لكن توظيف العلاقة السياسية بين البلدين لصالح العمالة اليمنية في المملكة لم يكن دائما محل عناية حكام اليمن الذين ضيع بعضهم أوراقا سياسية مهمة، بشكل ارتجالي وبدون مقابل أو امتيازات للعمالة اليمنية،
لعل أهم القضايا المشتركة بين البلدين، في الفترة الراهنة، والتي يمكن توظيفها لصالح اليمن والمغتربين هي قضية الحوثيين وقضية تنظيم القاعدة المتمركز في اليمن، وللقضيتين بعدهما الإقليمي والدولي، حيث يمثل الحوثيون حربة إيرانية في خاصرة المملكة، فيما تمثل القاعدة خطرا يستهدف العالم برمته، ويجب على الدولة قبل كل شيء، عدم اتاحة المجال للقوى التقليدية للعب بهاتين الورقتين، وعدم التعامل بهما ومعهما بانتهازية، وعدم التفريط بمصلحة اليمن وسيادتها والنسيج الاجتماعي للشعب.
في قضية الحوثيين، كان من الممكن أن يفضي التعاون اليمني السعودي فيها إلى منح المغتربين اليمنيين مزيدا من التسهيلات والامتيازات بدلا من تكبيل الهجرة، وتضييق الخناق على العمالة.. الممارسات التي من شأنها مفاقمة الأزمات الداخلية اليمنية واستفحالها، ورفد الجماعات الفئوية بمدد من رصيد البطالة، وتوسيع النفوذ الإيراني في اليمن، والذي بدأ بالفعل بالانتشار في المناطق الوسطى والجنوبية.
بدوره فتنظيم القاعدة لا يمكن أن يستقر ويتمدد إلا في بلاد تنتشر فيها البطالة والفقر والجهل وضعف وهامشية مؤسسات الدولة، وتعرف السعودية والعالم أنه لا يمكن القضاء على هذا التنظيم بدون تجفيف منابعه، وهو أمر يقتضي على النظام اليمني الجديد استغلال تنبه العالم إلى هذا الخطر في أشياء وطنية كثيرة، منها القضاء على جزء من الفقر والبطالة من خلال فتح قنوات سلسة وخاصة للقوى اليمنية العاملة في الخارج وفي السعودية بشكل خاص.
الدبلوماسية، ومعضلة القوى التقليدية:
بات من نافلة القول إن نفوذ مراكز القوى التقليدية في اليمن يتم على حساب سيادة الدولة وشرعيتها والمصالح الاستراتيجية للشعب والوطن، ومن أعراض هذه المعضلة في العلاقات اليمنية السعودية هو أن الدبلوماسية السعودية ليست قائمة أساسا مع دولة في اليمن، وإن كانت تمر بها، بل مع قوى تقليدية نافذة على حساب سيادة الدولة وشرعيتها المؤسساتية، فخلال العقود السابقة، وربما تستمر المعضلة أيضا لعقود قادمة، كان القرار السياسي اليمني تجاه المملكة موجها من قبل هذه القوى “اللجنة الخاصة” ومرهونا بمصالحها، في معزل عن أي مصالح استراتيجية وطنية عادة ما تتضمنها العلاقات الثنائية بين البلدان.!
لقد كانت السعودية منذ البدء تحاول توجيه سياسة اليمن بما يتوافق مع سياساتها العامة، ومن حق أي دولة أن تحاول ذلك عبر الطرق الدبلوماسية، وبما يترتب عنه مصلحة مشتركة للبلدين، لكن النشاز والمختلف والخارج عن قواعد السياسات الدولية، هو أن مراكز القوى التقليدية في اليمن وفرت للسعودية إمكانية أكثر ضمانة وأقل تكاليف في الحفاظ على مصالحها في اليمن، وبدلا من قرع الباب الدبلوماسي المؤسسي بما يترتب عنه من التزامات ومصالح متكافئة، دخلت السعودية من نافذة القوى التقليدية المؤثرة على السياسة اليمنية ، وهؤلاء لا يهمهم مصلحة الوطن أو قضية وطنية حساسة كقضية المغتربين، بقدر الاهتمام بمصالحهم الخاصة، فاشترت أو بالأحرى قبلت السعودية شراء ولاء كبار مراكز القوى وضمنت مصالحها من خلالهم، وبذلك عملت هذه المراكز النافذة على إضعاف الدولة الهشة، وكفاءة الطريق الدبلوماسي، وأحرقت كثيرا من الأوراق، وفوتت كثيرا من الفرص التي كان بإمكان الدولة توظيفها لصالح الوطن والمواطنين في الوطن والخارج .!
وكنتيجة لتنامي نفوذ مراكز قوى معينة تصبح هشاشة الدولة سببا لتنامي مراكز قوى جديدة ذات أجندات دولية مختلفة، كما في حالة الحوثيين مثلا، ومن شأن ذلك زج الدولة في حروب داخلية بالوكالة كما في الحروب الست لصعدة، أو تحويل الدولة من جهة ضبط ومؤسسة وحيدة لحل النزاعات إلى مجرد شاهد على نزاع الأطراف المتناحرة، كحالها الآن في النزاعات المحدودة بين مليشيات “الإصلاح، الحوثيين، الحراك”، كما أن من شأن ذلك تحويل اليمن من طرف في العلاقات الدولية إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، فهناك احتمالية عالية لتحول الحرب الداخلية الباردة في اليمن إلى حرب ساخنة يخوضها اليمنيون نيابة عن إيران ودول الخليج، أو فتح أحد الأطراف حربا مع دولة مجاورة، وهو وضع يشبه الوضع اللبناني، ففي كل الحروب التي شهدتها في العقود الأخيرة لم تكن لبنان الدولة أو الوطن طرفا في الحرب بل ميدانا للمعركة بين محاور دولية على رؤوس اللبنانيين، هذا مع الفارق الكبير بين اليمن ولبنان، وكون الهاوية الصومالية أقرب وأكثر تحديقا باليمن..!
رؤية:
من البديهي أن إصدار المملكة السعودية قوانين تنظم العمالة الأجنبية فيها هو حق سياسي سيادي خاص بالمملكة السعودية، وأن أزمة العمالة اليمنية فيها إثر القانون الجديد، هي مشكلة يمنية لا سعودية، جوهرها كون اليمن عالقة منذ عقود خارج الزمن في ثقب طاحونة الصراعات الداخلية، وعدم مواكبتها للتحولات الإقليمية والدولية المتتابعة..!
اليوم دول الخليج تعاني من البطالة في عمالتها الوطنية، ولن تستمر في امتصاص فائض البطالة في اليمن، كما أن اكتمال بنيتها التحتية يقلل من حاجتها للعمالة البسيطة القائمة على الجهد العضلي، ويرفع حاجتها للعمالة النوعية والخبرات الخاصة، والقدرات المؤهلة، ضمن “اقتصاديات المعرفة”، التي لا يمكن لليمن أن تقدم لها الكثير، حيث العمالة اليمنية في نسبتها الكبرى لم تكن تحترف في اليمن سوى المهن التقليدية، والأعمال اليدوية البسيطة، ولم تتخذ الدولة سياسة جادة وشاملة لتعليم فني ومهني معني برفع الخبرات والكفاءات النوعية للمواطن العامل، وفي مقابل أن السنوات الأخيرة شهدت تضييقا مجحفا على العمال اليمنيين العاديين، شهدت استقطابا شديدا للخبرات النوعية والكفاءات والمؤهلات العليا اليمنية بشكل يمثل خطرا محدقا على المستقبل.
لقد “كانت” عودة العمالة اليمنية من الخارج إلى الوطن وتطوير خبراتهم واستثمار أموالهم في سياق التنمية الشاملة.. تمثل حلما وطنيا وهدفا ثوريا نبيلا ورد في البيان الأول لثورة سبتمبر، الصادر 27 سبتمبر 1962م، عن مجلس قيادة الثورة، ونص في البند السابع منه على التالي: (تشجيع عودة المهاجرين إلى الداخل، والاستفادة من خبراتهم وأموالهم)، هدف تضمنه البيان الأول ضمن أهداف كثيرة لا أدري متى تم اختزالها في الأهداف الستة المجمدة، ولأجله ضمت أول حكومة من عمر الجمهورية وزيرا للمغتربين.
على النقيض من حسن نوايا الأحلام الثورية تحولت الغربة اليوم إلى طموح كبير و”فرصة عمر”، لتمثل عودة المهاجر كابوسا عليه وعلى أهله في الوطن، وما يجعل الأزمة تتخذ أبعادا مخيفة هو غياب ما يشبه أي استراتيجية عملية مطمئنة لوقف التدهور الاقتصادي المستمر، وعجز الدولة عن إيجاد أي بدائل تموينية للاقتصاد، أو تهيئة مناخ ملائم لبيئة استثمارية آمنة ومستقرة، وبخلاف زخم المزايدات السياسية المستهلكة بقضية البناء والتنمية والتحديث وقضايا العمال والمهاجرين، يفتقر الواقع العملي لرؤى وخطوات جدية واضحة تستوعب العمالة، ضمن استراتيجية تنموية شاملة، كالخطة الخمسية التي وضعها الرئيس الحمدي في السبعينيات، وترتب عنها خفض معدلات نسبة الهجرة إلى النصف تقريبا.
إن قراءة الأبعاد المختلفة لهذه القضية، الأزمة، الكارثة.. وغيرها الكثير لا يؤدي سوى إلى نتيجة واحدة، وهي أن غياب دولة مؤسسية وقوية في اليمن هو السبب الجوهري وراء مختلف الأزمات التي يعيشها، حقيقة مرة لا يمكن لجهلها أو تجاهلها أن يؤدي إلى نتيجة ناجعة في حل أي قضية أو إشكالية داخلية أو خارجية هامة، فالعمل على إيجاد دولة مؤسسية ملتزمة بواجباتها هو المقدمة الضرورية لحل أي قضية أخرى.
وفي موازاة غياب مؤسسات الدولة هناك حضور محوري لمراكز القوى التقليدية التي تعمل داخل النظام وخارجه على تناسل ذواتها وقيمها وأزماتها من خلال اضطرابات وصراعات وحروب داخلية يبدو أنها لا تنتهي، في بلد منخور بالفساد المالي والإداري.. “شبه نظام يحكم شبه شعب” عملت عوامل كثيرة على إنهاكه وشرذمته واستلابه حس المبادرة والشخصية الفردية، والدافع الذاتي، ويعاني فوق كل الأزمات أزمة مواطنة حقيقية، ليس في علاقته بالسلطة، بل حتى في علاقته مع نفسه، في إحساسه ووعيه الفردي ووازعه القيمي والسلوكي، ويعني شبه النظام وشبه الشعب أن هناك على الجانبين كوادر نموذجية وتوجهات حقيقية لتشكيل وطن عصري حديث واضح الملامح، وهو ما نتمنى أن نكون خلال الفترة الأخيرة قد بدأنا بالفعل نتخذ الخطوات العملية الأولى لتحقيقه.
كان يجب منذ البدء إدراك أن كل شيء له حدود، وأن أي باب لن يظل مفتوحا إلى الأبد، والعمل على تلافي تبعات نضوب الموارد قبل نضوبها، فكان بالإمكان بوجود دولة حديثة مسئولة، استشعار هذا الخطر مبكرا، والعمل على تجنب تداعياته الممكنة قبل حدوثها، كما يحدث في البلدان الديمقراطية جميعها، ف”للحرية قرون استشعار”، وللديمقراطية حدس لا يخيب، وأجهزة إنذار مبكر، ويكفي القول “إن المجاعة لا تجرؤ على دخول بلد حر”، ف«الحرية تنمية» ومسئولية، ورغم أن البلدان الديمقراطية تتعرض كغيرها لأزمات وكوارث المناخ والجدب وشحة الأمطار .. لكنها لا تواجه سوى الحد الأدنى من الأضرار، لأن أنظمتها تعرف مبدئيا أن من أهم أولوياتها حماية المستقبل، لا المحافظة على الماضي وتأبيد قواه وقضاياه وإشكالاته..
[email protected]
رابط المقال على الفيس بوك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.