كانت تنظم القصائد العصماء في وصف جمالها ومآثرها العتيقة الساحرة .. وكان الأدباء والشعراء وما يزالون يتغنون بمختلف العناصر الجمالية التي تزخر بها ، وبكل ما تتفرد به من فنون العمارة .. ويتجسد ذلك في دورها ومبانيها وفي حواريها وأزقتها ، وفي منارات مساجدها العامرة .. وما يزال الفنانون يشدون بعيون الشعر الغنائي وبالألحان اليمنية الصنعائية التي تنساب روعة وجمالاً ، ويرددها كل أبناء اليمن ، تلك التي تجسد جمال مدينة الفن والأدب والجمال والتاريخ والحضارة .. المدينة التاريخية الأصيلة التي تعددت أسماؤها وصفاتها عبر العصور الغابرة .. فهي ( صنعاو ) منذ العهد السبئي ، ومدينة ( سام ) عند أهل الأخبار ، نسبة إلى ( سام بن نوح ) حيث يروى أنه أول من أمر ببنائها ، ومدينة ( صنعاء ) هو الاسم الذي عرفت به منذ فترة ميلاد المسيح عليه السلام ، ومدينة ( أزال ) في قصائد الشعراء المتميزة والنادرة .. تلك هي مدينة صنعاء قلب الوطن اليمني وعاصمته ، ملتقى كافة أبناء اليمن التي يعود تاريخها العريق إلى العهد السبئي والحِمْيري ، فهي إحدى أقدم المدن وأهمها في اليمن وفي منطقة الخليج العربي والجزيرة .. وتقع في أعدل السهول هواء ، وأخصبها تربة ، وأصحها مناخاً ، وأحصنها موقعاً ، وقد أشار المؤرخون بجلاء إلى أهمية تلك المعلومات المثيرة .. وتكثر في صنعاء الجوامع الضخمة ، وتنتشر المآذن بارتفاعاتها المختلفة فوق سماء المدينة ، كما تبرز القباب بأشكالها الجذابة ، وتنتشر الحدائق الموقوفة لدور العبادة ، ويتجلى الطابع المعماري البديع للمدينة في دورها العالية ، لتشكل بذلك لوحة حية جميلة ومعبرة .. ولما تشكله مدينة صنعاء من أهمية تاريخية وحضارية ، وصفها العديد من المؤرخين والرحالة والأدباء والشعراء والملوك ، ومنهم الرحالة العربي ابن بطوطة الذي وصفها بأنها حسنة العمارة ، معتدلة الهواء طيبة الماء ، وهي قاعدة اليمن الأولى وذلك الوصف قطرة من مطرة .. كما وصفها الريحاني أحد مشاهير المؤرخين العرب قائلاً ( ... فما كذب التاريخ وهذا جمالك الطبيعي وبهاؤك العربي ، فما كذب الشعر وفي خزائنك الكتب النفيسة والمخطوطات ، فما كذب العلم وهذه كنوزك وسحر قصورك ... ) وهذا الوصف لاشك يمثل أهمية كبيرة .. أما الهمداني العالم والمؤرخ والشاعر صاحب صفة جزيرة العرب فقد اعتبرها إحدى جنان الأرض وقال عنها : أرض تخيرها سام وأوطنها .. وأس غمدان فيها بعدما احتفرا أم العيون فلا عين تقدمها .. ولا علا حجر من قبله حجرا لا القيظ يكمل فيها فصل ساعته .. ولا الشتاء يمسّيها إذا قصرا وتغنى بجمال صنعاء كذلك أحد ملوك اليمن التبابعة قائلاً في بعض أشعاره .. دارنا الدار ما ترام اهتضاما .. من عدو ودارنا خير دار إن قحطان إذ بناها بناها .. بين برية وبين بحار وأضاف متغنياً بمحاسنها : طاب فيها النبات والماء والنوم وليل مطيب كالنهار إن آثارنا تدل علينا .. فانظروا بعدنا إلى الآثار ذلك غيض من فيض مما قيل في مدينة صنعاء التي عرفها وتحدث عنها كل أولئك ، وعُرفت في الشرق والغرب من خلال تاريخها العريق ، ومن خلال الزوار والسياح والمستشرقين والباحثين العرب والأجانب كمدينة تاريخية ، وكمتحف طبيعي واسع زاخر بمعالمه وآثاره .. هذه المدينة التاريخية العريقة بمقوماتها الجمالية والحضارية تتطلب المزيد من الاهتمام والحرص على المحافظة على طابعها المعماري الأصيل والمتميز سواء من قبل أمانة العاصمة أو من قبل أبنائها أو سكانها القادمين من كافة المحافظات اليمنية، لتظل محتفظة بملامح جمالها وسماتها النادرة .. وشامخة بمعالمها الحضارية التي ستظل أثراً شاهداً على عظمة الأجداد .. وعلامة مضيئة في تاريخ يمن الحضارة والأمجاد .. نتمنى أن يدرك الجميع أهمية المحافظة على عاصمة اليمن التي تحتضن كافة أبناء الوطن بمختلف فئاتهم ، وأن تلك مسئولية وطنية وتاريخية ، لما تمثله هذه المدينة من قيمة تاريخية وحضارية .. وتلك هي القضية . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك