لقد أوضحنا في مقال سابق رأينا بعدم وجود مشروع دولي لبسط خارطة سياسية لسيكيسبيكو جديدة لمنطقة الشرق الأوسط, لكن ما نراه في ضوء التطورات السياسية في الأقطار العربية وخاصة دول الربيع العربي , أن هناك سيناريوهات متعددة, هدفها استباق احتمالات انفجار ثورات حقيقية من قبل الشعوب العربية ,بالتشجيع والدفع نحو إحداث ما يسمى بالفوضى الخلاقة تمكن القوى الدولية من إسقاط أنظمة سياسية محسوبة على طائفة أو مذهب ديني وتنصيب قوى سياسية محسوبة على طائفة أو مذهب آخر , كما حدث فعلاً في العراق عندما تم إسقاط نظام صدام حسين المحسوب على السنة وتنصيب القوى المحسوبة على الشيعة ,وكذلك إسقاط أنظمة سياسية تحكمها قوى ليبرالية أو علمانية لصالح قوى يمينية إسلامية كما حدث مثلاً في تونس أو مصر. ويجري التخطيط لفرض نفس السيناريوهات في اليمن وفي سوريا وغيرها من الأقطار العربية الأخرى , إلا أن تطورات الأحداث السياسية في جميع دول الربيع العربي وعلى رأسها مصر العربية تظهر إلى حد تبدو هذه السيناريوهات فاشلة وعدم وجود أي مؤشرات لنجاحها. ويعود فشل مثل هذه المحاولات إلى عدة أسباب منها مايلي : أن إحلال سلطة طائفية أو مذهبية محل سلطة طائفة أو مذهب آخر بذريعة أغلبية هذه الطائفة أو المذهب يتعارض مع مفهوم النهج الديمقراطي الليبرالي القائم على مبدأ التعددية الحزبية والمبادئ الأخرى بل هو اقرب شبهاً بتجربة المنظومة الاشتراكية التي فرضت حكم الحزب الواحد كونه يمثل طبقة الأغلبية وهم العمال والفلاحون. كما ان إيصال التيارات ذات التوجه الإسلامي بدل الحزب المحسوب على التيارات الليبرالية سيفرض احتشاد هذه القوى في جبهة واحدة للدفع في اتجاه استعادة السلطة من أيدي الإسلاميين ,وهذا سيقسم أبناء الشعب إلى مسلمين وغير مسلمين (علمانيين). سيؤدي ذلك إلى قيام أنظمة عربية منقسمة على نفسها طائفياً أو مذهبياً كما هو الحال في العراق ومعظم دول المشرق العربي وأنظمة عربية أخرى منقسمة على نفسها بين مسلمين وعلمانيين كما هو الحال في مصر وفي معظم المغرب العربي. وبافتراض نجاح القوى الدولية في فرض مثل هذه الأنظمة السياسية ولو كمرحلة انتقالية إن جاز الوصف , فإن الهيمنة على دول المشرق العربي ستؤول إلى ايران التي تجسد ولاية الفقيه باعتبار أن الأنظمة فيها مذهبية أكانت سنية أو شيعية. فالشيعة أصلاً موالون لإيران , والسنة الذين اعتمدوا على الولاء لأمريكا من اجل الوصول إلى السلطة لن يترددوا في تحويل ولائهم لإيران لضمان ولاء المعارضين الشيعة لهم وبالتالي لضمان استمرارهم في الحكم , والعكس ما سيكون عليه الوضع في دول المغرب العربي حيث سيزيد الإسلاميون من ولائهم لأمريكا وللقوى الصهيونية أي اسرائيل لضمان استمرار بقائهم في الحكم. وما يزيد من وضوح هذه التوقعات هو التغيير المفاجئ الذى حدث في دولة قطر بانتقال السلطة من الأمير إلى ولي العهد دون مبررات حقيقية معلنة، وهذا يعني أن تعود قطر إلى ممارسة دورها السابق , بإعادة علاقاتها الجيدة مع ايران وحزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن لضمان استقرار دول الخليج العربي بوجه خاص ودول المشرق العربي عموماً. إضافة إلى ذلك إعلان الرئيس الإيراني الجديد عزمه على إعادة تحسين علاقات ايران بدول الخليج وعلى رأسها السعودية. وهذه التطورات تظهر إلى حد بعيد الجزرة التي تقدمها القوى الصهيونية بزعامة أمريكا إلى ايران مقابل تخليها عن النظام السوري الحالي والقبول بتسوية ملفها النووي وبالتالي القبول بهيمنة القوى الصهيونية مقابل دورها الإقليمي في المشرق العربي. وهذه الاحتمالات إن تمت فعلاً فلن تدوم طويلاً في تصورنا وإنما لمرحلة انتقالية محددة. نأمل أن يسهم المفكرون وأصحاب الأقلام في بحث وتحليل مثل هذه السيناريوهات والتطورات والاحتمالات حتى لا تظل الجهود عشوائية أو عاطفية لا جدوى منها. والله من وراء القصد.