أظهرت الأحداث التى تمر بها بعض بلدان الربيع العربي اليوم وخصوصاً مصر وسوريا أن هناك نوعاً من المثقفين والإعلاميين - وهم كثر هذه الأيام - يميلون حيث تميل بهم رياح المال والجاه والسلطة, لا يقيمون وزناً لمبدأ طالما تغنوا به وأظهروا الدفاع عنه، وأكدوا أنهم يفدونه بأرواحهم، وقد أثبت الواقع أنهم من أكثر الناس وقاحة وكذباً وسعياً وراء شهواتهم المادية والمعنوية. وهذا الصنف من مثقفي السلطة لا يظهرون إلا في الأزمات التي ترفض المواقف الرمادية التي تعودوا عليها سنوات طوال ، فإما أن يكونوا معها وإما أن يكونوا ضدها ، ولأنهم من باعة المبادئ فإنهم دائماً ينحازون لما يطلب منهم مادام هناك مشترٍ يدفع الثمن !! هؤلاء المثقفون والإعلاميون تابعناهم وسمعناهم وقرأنا لهم كثيراً, وهم ينادون ويتغنون بالديمقراطية الحقيقية والدولة المدنية الحديثة , لكنهم للأسف الشديد, ما إن تأتى الديمقراطية وصناديق الانتخابات بأشخاص يختلفون مع أسيادهم ومن يمولهم, يشرعون فى الهجوم والتشويه لهذه الشخصيات في كل الوسائل الاعلامية , حتى ولو كانوا يدركون تماماً - في قرارات انفسهم طبعاً - أن من يقفون ضدهم بكتاباتهم وحواراتهم وتحليلاتهم الإعلامية على خلاف ما يكتب أو يقال عنهم فى الوقع ولا يستحقون اى هجوم او تشهير , لكن طغت على هؤلاء الادعياء للثقافة والمشوهين لرسالة الإعلام الحقيقية , المادة , فباعوا ضمائرهم بثمن بخس , ولم يدركوا انهم مسئولون أمام الله تعالى عما تفوهت به السنتهم وخطته اقلامهم من كلمات وتصريحات ومغالطات ربما كانت سبباً فى حدوث فتنة وإراقة دماء كما يحدث الآن فى سوريا ومصر . هذا النوع من المثقفين والإعلاميين وجد له سنداً قوياً ودعماً من بعض الحكومات والأنظمة الخارجية - التي قد يتظاهرون بلعنها صباحاً ومساءً – لكن هذه الحكومات والأنظمة وجدت في هؤلاء المنافقين تحقيقاً لأهدافها ومصالحها الإستراتيجية فامتطتهم من أجل ذلك متناسية أقوالهم، معتمدة على أفعالهم ، وقد لخص الكاتب الأمريكي “ستيفن كينزر” مؤلف كتاب: “كل رجال الشاه” الموقف الأمريكي من الديمقراطية قائلاً: عندما أطحنا بحكومة ديمقراطية بإيران - يقصد حكومة محمد مصدق - قبل خمسين سنة بعثنا برسالة لا إلى إيران وحسب بل إلى عموم منطقة الشرق الأوسط وكان مفاد تلك الرسالة أن الولاياتالمتحدة لا تساند الحكومات الديمقراطية، بل إنها تفضل وجود حكم رجل قوي يضمن وصولنا للنفط، وبطبيعة الحال فإن أمريكا لا تزال ترسل وبكل وضوح مثل تلك الرسالة لبعض القوى والأطراف السياسية فى بعض دول الربيع العربي اليوم وخصوصاً مصر وسوريا. فالإعلام الصادق الذي نقصده والذي يهتم بنشر القيم والأخلاقيات والسلوكيات التي تغير وعي أفراد المجتمع وتأخذ بأيديهم إلى الرقي والتقدم في كل المجالات ويعبرعن قيم العدل والحرية والدعوة إلى سيادة القانون وينحاز إلى الطبقات الفقيرة يمد إليها برامجه، ويحمل كل مشكلاتها ، ويضع لها الحلول والأفكار. إعلام الشعب المعبر عن قضاياه وهمومه ومشكلاته، حوله هؤلاء المثقفون والإعلاميون المنافقون والمأجورون إلى إعلام أزمات وإعلام فتنة وخراب وتدمير . وأصبح من هؤلاء المنافقين والمرتزقة محللون سياسيون وخبراء في كل شيء يتربعون على كراسي الدجل والإثارة والتحليل في العديد من البرامج الاخبارية والسياسية والحوارية على القنوات الفضائيه المأجورة والموجهة لخدمة دول وحكومات وأنظمة وشخصيات لا تريد الخير والأمان والاستقرار لمصر أو لبلدان الربيع العربي, يؤيدون ويباركون خطوات وقرارات وأعمال من يدفع لهم ويمولهم ولو كانت تتنافى وتتعارض مع النظم والأساليب الديمقراطية التي يتشدقون بها أو مع الدستور والقوانين النافذة او تصطدم بإرادة ورغبات ابناء المجتمع وتخدم أعداء الأمة العربية والإسلامية, وتفضي بنتائجها الى سقوط جرحى وقتلى في صفوف أبناء الشعب الواحد وتعميق الخلافات والصراعات بين أبناء الوطن الواحد . ومن هؤلاء المنافقين مراسلو قنوات وشبكات إخبارية ينقلون الأخبار والأحداث على غير حقيقتها ويضخمون ويثيرون ما يلائم اهداف وتوجهات اسيادهم من اخبار وأحداث ويخفون الحقائق والأحداث التي لا تخدم مصالحهم وأهدافهم ومن هؤلاء المنافقين كتاب ومحررون صحفيون يسخرون اقلامهم في كتابة المقالات والتحليلات الصحفية حسب اهداف ومصالح من يدفع لهم ويوجههم من الداخل أو الخارج حتى ولو كان ما تسطره اقلامهم يثير الفتنة والشقاق ويتعارض مع مصالح بلدانهم وشعوبهم ؟! وختاماً أقول لكل مثقف ولكل إعلامي عربي أعطى ضميره إجازة مفتوحة أو باعه بثمن دراهم معدودات لمن لا يريد لنا ولبلادنا وامتنا الخير والتقدم والنهوض والأمن والاستقرار : تذكر أنك ستكون مسئولاً امام الله أولاً ثم أمام التاريخ وأمام ابناء شعبك وأمتك عن كل قطرة دم سالت من دم شاب او طفل او سيدة او رجل عربي او مسلم او حتى اجنبي بريء نتيجة اي احداث فتنة واقتتال ساهم كلامك او قلمك في اذكائها وتفاقمها بغير الحق وأنت تعلم ذلك . كما يجب ان يدرك كل مثقف وإعلامي مأجور وخائن ومنافق ان المواطن العربي لم يعد اليوم بمثابة إناء فارغ يتلقى دون وعي وتمحيص كل ما يقال له وينقل اليه من اخبار ومعلومات حول اي من القضايا والأحداث الجارية اليوم وعبر وسائل إعلامية محدودة بل اصبح كل فرد منا اليوم وفي عصر المعلومات وتعدد وسائل وأدوات الاتصال وتبادل المعلومات ووسائل الاعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية وارتفاع مستوى الوعي والتعليم اكثر حرصاً على معرفة الحقيقة واكثر قدرة على التمييز بين الصح والخطأ , والمشروع وغير المشروع , والمثقف او الاعلامي النزيه والصادق والمأجور والمنافق والكذاب , والقناة او الصحيفة الصادقة والمفيدة للفرد والمجتمع والأمة . فاتقوا الله يا هؤلاء فيما تقولون وتحللون وتكتبون وتنقلون من أخبار ومعلومات ووظفوا ثقافتكم ومهاراتكم وخبراتكم الثقافية والسياسية والإعلامية وسخروا السنتكم وأقلامكم , لتحقيق ما فيه الخير والصلاح وإصلاح ذات البين , والدعوة الى التسامح والإخاء وعمل ما من شأنه تصحيح اوضاعنا وتحقيق تقدمنا واستقرارنا كشعوب ودول ومجتمعات عربية وإسلامية . رابط المقال على الفيس بوك