تصنع حركة التغيير فرصة سانحة لإعادة بناء المجال السياسي نظرياً وعملياً , في أي مجتمع سعى لهذا التغيير وصمم على إنجازه بكل الوسائل التي اتيحت له في الزمان والمكان , ذلك ان التغيير بأي اسلوب تم انجازه , يزيح الاستقرار السائد في النظام القائم ويتيح التحرك نحو البدائل المنشودة في النظم والمؤسسات. امتلك الشعب العربي في اليمن فرصته التاريخية لبناء الدولة وفق النظام الجمهوري بعد ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن حينها , لكن هذه الفرصة اهدرت بالحرب الأهلية , ثم بتآمر القوى التقليدية بعد أحداث اغسطس 1968م , واستطاعت الثورة أن تجدد فرصتها السانحة لبناء الدولة بقيادة الشهيد ابراهيم الحمدي , لكن ذات القوى تمكنت من اغتيال هذه الفرصة , والعودة الى مرحلة تغييب الدولة وإحباط كل محاولات التوجه لبنائها , وقد نجحت في ذلك نجاحاً كبيراً إن لم نقل نجاحاً كاملاً. استعاد الشعب العربي في اليمن فرصته الشطرية لبناء الدولة في الجنوب بعد الاستقلال آنذاك, وحقق في هذا المجال نجاحاً تمثل في توحيد الجنوب وإسقاط محاولات الانسلاخ عن هويته الوطنية , مع تحويل الوحدة اليمنية إلى مشروع وطني وحركة شاملة في المجتمع والدولة وكذلك على مستوى الشمال . ثم تعاظمت الفرصة السانحة لبناء الدولة اليمنية في 22 مايو 1990م , وذلك بالانفتاح على الديمقراطية في دولة الوحدة لكن ذات القوى التي غيبت مشروع الدولة في الشمال , وأفشلت كل محاولات بنائها , تحركت بقوة لإسقاط المشروع الوطني الديمقراطي لبناء دولة الوحدة والانتقال باليمن , الارض والإنسان , الى رحاب الدولة وسيادة القانون , ولسوء الحظ , نجحت هذه الحركة في مساعيها لتغييب الدولة بنتائج ظفرها العسكري في حرب 1994م . لم يتوقف النضال عن حركته الهادفة الى الانتقال بالمجتمع اليمني وسلطة الحكم الى الدولة , وفي المسار الوطني لهذا النضال تراكمت المعطيات أولاً بأزمة التسلط الفردي وثانياً بضيق هامش المصالح الاسرية والعشائرية , لتتعزز حركة النضال السلمي في الجنوب بانتفاضة شعبية شاملة عام 2011م ولتصنع فرصة سانحة لبناء الدولة اليمنية الحديثة , من خلال نجاحها في الانتصار لمطلب تغيير النظام وإعادة بناء الدولة اليمنية . اليوم تتحرك القوى التي استأثرت بالسلطة واستحوذت على الثروة وأعاقت حركة التحديث السياسي والتنمية الشاملة , من خلال تغييب الدولة لصالح نفوذها واستفرادها بالوطن والشعب , أقول , اليوم تتحرك هذه القوى لإفشال انتقال اليمن الى رحاب دولة ووطن مزدهر بالحكم الرشيد , مكررة المزايدة بشعار الوحدة لإخفاء حقيقتها المجسدة في التاريخ والواقع بمراكز القوى التي غيبت الدولة واستبدلتها بالفرد والعصبيات. قوى الثروة والسلطة , التي استحوذت على المصادر الطبيعية والموارد المختلفة , واستأثرت بقوة السلطة في الحكم والأمن والجيش وتريد الاحتفاظ بموقعها ومراكزها ومكاسبها والإبقاء عليها واقعاً بديلاً للدولة والشراكة والمشاركة , لذلك تعارض بشدة , فكرة انتقال اليمن الى دولة اتحادية , تستعيد اولاً , الشراكة الوطنية بين الشمال والجنوب , وتؤسس ثانياً للمشاركة في المسؤولية الوطنية , في مرحلة تأسيسية مزمنة تبني الدولة ودولة الوحدة الديمقراطية تحديداً , وسر معارضتها هذا يتجلى في إدراكها ان هذا التأسيس المحتمل للدولة اليمنية كفيل بتفكيك منظومة الاستحواذ والاستفراد , وفتح المجال الوطني واسعاً امام حركة متحررة من عصابات الجباية والابتزاز وسلطات طرد الاستثمار السائد بشرط الشراكة والحماية للمستثمرين من قبل عصابة قوى النفوذ . [email protected]