في لحظةٍ ما نستفيق من غفلة الطفولة ولهوها , لنفتتح مرحلة الشباب ونبدأ البحث عن الذات ,نقف على مفترق الطرق ونتأمّل طويلاً في هذه الحياة وفي هذه النفس التي شرعت أبوابها على الدنيا , كيف ستواصل رحلة العمر , أيّ الطرق تسلك؟ وفي أيّ المسارات ستنطلق؟ وكيف ستقطع المسافات البعيدة والقريبة؟ البحث عن الهوية ليس بالسهولة التي نتوقعها في عالمٍ تملؤه المتناقضات وفي عقولٍ ترضع التناقض منذ الطفولة في دينها ومجتمعاتها وانتماءاتها... البحث عن الهوية يبدأ بالذات و ينتهي بالبشرية على مستوى الخلق ,ولكنه يجد معناه الأسمى عندما يتصل بالخالق سبحانه ,وهناك عدة ضوابط تحكم مسيرة الإنسان في رحلة البحث عن الذات ,وذلك على النحو التالي: 1 -أن ينظر لها على أنها ذات بشرية خطّاءة، أي أنها قد تصيب وقد تخطئ في أفكارها أو سلوكياتها ,فلا يعاملها بطريقة مثالية تسلبها القدرة على الحراك والتفاعل مخافة الخطأ ,ولا ينظر لها وكأنها ذات إلهية ملائكية معصومة عن الخطأ فهذه النفس خلقت لتفكر ولتتفاعل مع الحياة وتعمرها وفق إرادتها واختيارها ولم تخلق لتظل معطّلة ولو إن هذه النفس لا تخطئ لما أمرها سبحانه بالعمل وخلق فيها دوافعه وبواعثه , ولما كرّر سبحانه وتعالى في كتابه صفة المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين الذين يتوكّلون عليه في جلّ أحوالهم وأمورهم وأفعالهم فالذين لا يخطئون هم الذين لا يفعلون شيئاً. - أن ينظر إلى ذاته على أنها ذات عاقلة ومفكِّرة تدرك ما حولها ,ولا يتركها فريسةً سهلة للخرافات والأساطير والأوهام والأحلام البعيدة عن الواقع ,أو يجعلها نسخةً من الآخرين في محاولة لتقليدهم دون النظر إلى واقعه وما يلائمه أو يجعلها تابعة لا تحلّ ولا تربط ولا تقرّر بقناعة نابعة من داخلها, بل عليه أن يستخدم عقله وفكره ليحرّك حياته وليتدبّر شؤونها وفق رؤيتها الخاصة. 3 - أن يلبِّي غرائزها باعتدال فلا يهبط بها إلى درجة من الحيوانية في إشباع شهواتها ,ولا يحرمها حرماناً تاماً كما يفعل الرهبان, بل يتعامل معها برفق ويلبي احتياجاتها الأساسية وفق الشرائع التي وضعها الله والقوانين الاجتماعية المقبولة في ذلك . 4- أن يُدرك أن ذاته نفحة من نفحات رب العالمين فهي نفس عظيمة خلقها العظيم الكريم, وهي روح من الله وهذا جانبٌ آخر تحتاج النفس إلى إشباعه بالاتصال الدائم مع الله بالعبادات الشرعية وفي المعاملات اليومية والأخلاقية, ومراقبته وتأمّل عظمته في كل عمل وفي كل وقتٍ وحين. 5 - أن يحرص على إشباع ذاته ذاتياً واجتماعياً وكونياً وروحياً لتلتقي الحلقات الأربع وتصبّ جميعها في فهم هوية الإنسان وبالتالي يتحرك نحو الإنتاج ويصبح أكثر فاعلية كإنسان مصلح خليفةً لله على هذه الأرض ,فإحساس الإنسان بالمسؤولية الملقاة على عاتقه هو أول خطوة في تكوين الهوية والبحث عن الذات. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك