لم يعد يؤرّقني الانفصال كما يفعل شبح الحرب الأهلية الذي يسوّق له «المهجنون» في المحافظات الجنوبية، لم نكن يوماً كأبناء محافظات شمالية مستفيدين من الوحدة، وكان إيماننا عميقاً أن الوحدة هي فرصة جديدة لنكون أقوياء ببعضنا، قادرين على مزج أفكارنا وعبقريتنا لنصنع يمناً جديداً أكثر إشراقاً كاستعادة لأمجاد خلت. أتذكر قبل قيام الوحدة كانت أمي تشتري كيس القمح ب«70 ريالاً» وتشتري الحبة الدجاج ب«15 ريالاً» يومها تحديداً كان أبناء المحافظات الجنوبية يقفون في طابور طويل لشراء الحبة الروتي “اللهم لا شماتة”. ربما نتفهّم الغضب والشعور بالظلم الذي يشعر به الإخوة في المحافظات الجنوبية، ولكن عليهم أن يحدّدوا بدقّة أعداءهم الذين نهبوا أراضيهم وممتلكاتهم، عليهم أن يدركوا أنهم باعتدائهم على أبناء المحافظات الشمالية الضعفاء والبسطاء في الجنوب، ونهب ممتلكاتهم وإتلافها عن طريق الحرق والتكسير والتدمير؛ هم لا يقلّون قبحاً ولا ظلماً ولا فساداً عمّن ظلمهم في حرب صيف”94م”. الجنوبيون المتضرّرون من حرب تلك الفترة يعرفون جيداً ظالميهم وناهبي أراضيهم وممتلكاتهم، يجب أن توجّه جهودهم إلى الأماكن التي يعرفونها جيداً، أما تبنّيهم المثل الشعبي: “إن ما لقيت غريمك لقيت ابن عمه” فهذا هو قبح صنيعهم، وهذا هو الغباء بعينه أن نحمّل الضعفاء والبسطاء قُبح صنيع الفاسدين، وأن نعاقبهم على ذنوب لم يرتكبوها، وأن نضيّق عليهم الخناق؛ لأن غيرهم لم يتقِ الله في أبناء المحافظات الجنوبية. الهبّة الشعبية التي أطلقها الحضارم كانت ستبقى ذات معنى لو توّجت بمبدأ أخلاقي وطني، وأدركت كيف يجب أن تُعالج قضية مظلومية الجنوبيين دون المساس بوحدة وأمن واستقرار الوطن الذي هو آخر معاقلنا سواء كنّا أبناء الشمال أم أبناء الجنوب، وكانت ستكون ذات معنى لو احتفظوا في قلوبهم بذرّة من الشهامة والرجولة وشيء من خوف الله وتقواه. كانت ستكون إنسانية وحقوقية لو لم تصمّم هبّتهم ضد البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية الذين يعملون في البقالات والمحال التجارية والبسطات ولم يكن لهم يد في قضايا الفساد والنهب التي طالت أراضي الجنوب وممتلكات الجنوبيين. الحراك الجنوبي تحت أي مسمّى من المسميات هبة أو “نهبة” هي لا تفرق كثيراً عن ممارسات المتنفّذين التي اكتوى البسطاء من الجنوبيين بنارها إزاء حرب صيف “94م”، والتي قامت بفتاوى شرعنت لكل ذلك الظلم، وهي تجربة رآها الفاسدون والباحثون عن المصالح الشخصية من أبناء المحافظات الجنوبية أو من يدّعون أنهم يمنيون أصلاً أنها ناجحة وطريقة سريعة للكسب والثروة، فالفاسدون يستفيدون من تجارب بعضهم. كنا نتمنّى لو تتوّج خلافاتنا السياسية أو المذهبية أو الثقافية أو الفكرية أو أي خلافات بمبادئ خلاقة، مبادئ تجعل من الظلم ومن انتهاك حقوق الضعفاء وتشريدهم وحرق ممتلكاتهم والعبث بأمنهم جريمة، نحتاج إلى ثورة مبادئ، ثورة قيم وأخلاق يفتقدها هذا الشعب، بل يبيعها بأي ثمن، حتى لو كان الثمن مستقبل صغاره..!!. لم تعد الوحدة تعني لنا الكثير، ولم يعد بعض أبناء المحافظات الجنوبية أصحاب مظلومية، فقد تصدّروا ظلماً أشد وأبشع وأشنع مما مارسه المتنفّذون والفاسدون ضدهم ذات يوم. فقط علينا أن نقف دقيقة حداد على مبادئ صُودرت في خضم حرب ممنهجة ضد الأخلاق، ضد القيم التي كانت هي ما تبقّى من إرث «الإيمان والحكمة». رابط المقال على الفيس بوك