إن الرغبة في التغيير قد شكّلت الجزء الحيوي المتجدّد في حياة اليمنيين، وقد جاءت لإحداث التحول المطلوب في مسار الدولة والمجتمع، نظراً للترسبات التي حالت دون تقدم وتطور العمل المؤسسي خلال نصف قرن من الزمن. ليس ذلك فحسب؛ بل ظهور حالات العبث والتسيب واللامبالاة بوتيرة عالية، زاد الأمر تعقيداً شيوع الفساد حتى تحوّل إلى مرض اجتماعي مزمن، وتسارع وتيرة الهبر المنظم والعشوائي للثروات والخزينة العامة. خلال الثلاث السنوات الأخيرة وبالتحديد منذ ظهور بوادر الربيع العربي في الشارع اليمني ظهرت ثقافة إجتماعية جديدة تنادي بحماس منقطع النظير بإسقاط النظام، وإصابة مؤسسات الدولة بشلل دائم، كأن المخرج الذي يقف خلف المخطط الربيعي في اليمن قد أراد وبشكل مسبق أن يدخل اليمن في دوامة من العنف والفوضى والمواجهات بين الدولة والشباب المتحمس للتغيير والانتقال السريع، الأمر الذي سيؤدي إلى التحلل والتشظي لولا رحمة الله ولطفه باليمنيين. شعارات إسقاط النظام التي ظهرت في ساحات الاعتصامات تحوّلت من مجرد شعار إلى دعوات مستميتة لإسقاط الدولة وتخريب مؤسساتها، حيث لم يكن يُقصد بها التغيير الذي ينصب في إصلاح الخلل المؤسسي والإداري والمالي، وإنما يتجاوز تلك الإحداثيات المطلوبة ليذهب باتجاه خلخلة كيان الدولة وإحداث الانهيار المطلوب للنظام في اليمن، ومن ثمة دخوله دائرة العنف والعنف المضاد وانزلاقه إلى حروب أهلية تأتي على اليمن، الأرض والإنسان. شعارات ودعوات إسقاط النظام تحوّلت إلى ثقافة يتم تغذية عقول ووجدان الشباب بها، الأمر الذي يُنذر بحالة من الاضطراب النفسي والسلوكي لدى الشباب اليمني الذي سيتحمل مسؤولية قيادة الدولة ونهضة وتطور المجتمع، فكيف سيجمع بين ثقافتي التخريب والبناء في مساره الوطني؟. عدم إدراك الكثيرين ممن يرفع شعار إسقاط الدولة والنظام بأنها قد تحولت إلى دعوات ومنابر مدفوعة الأجر تسعى بكل ما لديها من إمكانيات لتحولها إلى ثقافة يومية للشباب في مجتمعنا حتى يتم هدم المجتمع اليمني من الداخل، وليس لمجرد شعار يردد في ساحات الاعتصامات وفي المسيرات التي تجوب شوارع المدن، لأن المتضرر من عواقب تلك الثقافة التي تنادي بإسقاط النظام سيكون المجتمع اليمني وليس غيره. أتمنى أن يتم تغيير شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» إلى شعار جديد «الشعب يريد إصلاح النظام»، حتى ندخل معادلاً موضوعياً في وعي وثقافة المجتمع وخاصة شريحة الشباب التي تتعطش للتخريب والهدم والفوضى والعنف والتمرّد على النظام والقانون والدولة. إن الثورة التي ترفع شعار إسقاط النظام والقانون ومؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى والعنف والتخريب إنما هي مخطّط تدميري منظم تم الإعداد له مسبقاً من قبل أجهزة استخباراتية تسعى إلى السيطرة الكاملة على الشعوب بعد إضعافها، علينا مراجعة كل ما ارتبط بالمرحلة، و من ثم التعامل مع الواقع بما يصلحه وليس بما يزيد الحالة سوءاً والظروف تعقيداً ومرارة. [email protected]