ما الذي سيبقى من وحدة مجتمع إذا تفرّق أبناؤه في مكونات تستقل بهويتها الخاصة وتخصها وحدها بالانتماء والولاء دون المجتمع إن لم نقل ضداً عليه وعلى بقية المكونات؟ وكيف تتحقق الوحدة الوطنية وتحمى إذا سادت في الوطن نزعات الانعزالية الجهوية والفئوية واحتشد جزء من المجتمع ضد جزء آخر أو ذهبت الأجزاء الى مواقع العداوة والشحناء وعلاقات التنافر والبغضاء؟. نتساءل بعمومية ونحن نعايش واقعنا الوطني ونتعايش مع اتجاهات تجزيئية ونزعات انعزالية بين أجزائه الجغرافية ومكوناته المجتمعية والتي تتحرك منذ عقود بصمت حيناً وبصراخ غالباً بين المحافظات الجنوبية والشمالية وفي كل منهما، ففي الجنوب انسلاخ من اليمن الذي هو غازٍ وفي الشمال شمال هو الشيعة والتكفيريون والمشائخ والحوثيون والثوار والعفاشيون وبقايا النظام والانقلابيون وما سوف تنفتح به الأقاليم من هويات محتملة وحسابات متباعدة. يقلقني حد الرعب أن تتنازع وحدتنا الوطنية اتجاهات التنافر الجهوي والفئوي في ظل غياب تام لصوت الوطن الواحد في خطاب سياسي يتصدى لهذا التمزيق المدمر لهوية الوحدة وللسلم والعيش المشترك والذي لا يتهدد حاضرنا فقط بل يتمدد بهذا التهديد إلى مستقبل نهرول اليه غرقى بالأحقاد والثأرات والمصيبة التي قد لا تُبقي ولا تذر تكمن في غياب الجامع الوطني وتغييبه صوتاً ومشروعاً عن واقع تتحكّم به العداوة والشقاق وتتحطّم عليها كل مقومات توحدنا ووحدتنا من الهوية إلى الدين ومن الجغرافيا إلى اللسان. فهذا اليمن المنحوت على الجغرافيا هوية تاريخية للأرض والإنسان أصبح في الجنوب مسمى للشمال وأصبح في الشمال ممزقاً بين السُنة والشيعة أو بين الزيود والشوافع أو بين الهاشميين والقبائل أو بين حاشد وبكيل وأخشى إن ذهبنا إلى أقاليم الدولة الاتحادية بهذه النزعات أن يتبعثر اتحادنا في جهات وطوائف ومسميات لن تكف عن التخلق حتى وهي تنتمي إلى تضاريس الجغرافيا بين سهل وجبل أو بين صحراء وساحل. لهذا الواقع امتداد إلى عقود مضت ابتدأت بتجفيف الهوية اليمنية من تراثها الحضاري في التقاليد والفنون وفي التشابه والاختلاف بدءاً من تهميش الغناء وطمس الأزياء واحتقار التراث وإلغاء مواسم التشابه والاختلاف في الزرع والحصاد وفي المقايل والأسمار حتى جفت ينابيع المواهب في مدارسنا وزحف التخلف بالتطرف ليقتل فينا وبنا يمناً تليد المجد والحضارة لكنه ابتعد عن إبداعه وفنه فاختطفته أهواء التمزيق وعواصف الغربة والشتات وأحقاد التطرف والإرهاب. [email protected]