«1» لن تكونوا في منأى عن الانفجار أيها الأشقياء، ولن يتصالح معكم جنونه وألسنته الحارقة..!!. لا تظنون أن «جبلاً» من الترحم على أيامكم سوف يعصمكم من غضبة الجياع الذين تتوسّلون صخبهم وضجيجهم وقبل ذلك أنينهم لإعادة ترميم صوركم الشائهة بتلك الأفعال «الشيطانية» وبنفس أدوات ووجوه من حاصروا الساحات واعتدوا على المتظاهرين السلميين سنة «الثورة» لأنكم بكل بساطة أنتم من صنع ويصنع كل هذا العناء والشقاء بأيامهم. وأنتم أيها الثورجيون الزائفون لا تظنون أن البسطاء سيتساهلون معكم، وسيصفح عن دمى التقاسم الموضوعة على كراسي الحكم بأفواه ابتلعت كل شيء باسم الدين والوطنية والثورة، فبأفعالكم التعيسة جعلتم المعذّبين على هذه الأرض يترحمون على أيام جلاديهم بهذا الإفراط. إنه الطوفان القادم من الأنين ومن بطون الجياع الخاوية، ولن تنفع معه مسكّنات نقل دمى المحاصصة والتقاسم في مواقع السلطة أو التعدّي على وسائل إعلامية رخيصة وجدت من ينصت لها في هذه العتمة. إنه الطوفان القادم من طرف السوط الذي يتعذّب به هذا الشعب السموح الذي ترك لصوص الأمس واليوم يعبثون بأحلامه البسيطة؛ لكنه لن يصبر على إعادته إلى مربع ما قبل الأمل. «2» بعد أن اختبرت الأطراف جاهزيتها في جولة عمران الأخيرة، وإيقاف عجلة الهرولة الدامية عند حائط المحافظ الذي اختزلت المشكلة بشخصه وهويّته وانتمائه الأيديولوجي دون النظر إلى تراكم المشاكل وتطوّرات مساراتها وتعرجاتها الخطيرة في هذه المحافظة مثلها مثل بقية المناطق التي رُحِّلت مشاكلها إلى الأمام أو عولجت بعضها بالتسكين دون البحث عن الحلول في جذر المشكلة. لا نعلم كيف سيكون شكل جولة التقاتل الجديدة، وأين ستقف حدودها، وممن ستسمّى اللجنة لنزع فتيل التقاتل الذي نشتم روائح «باروده» في الأرجاء..؟!. نعم انتهت الجولة دون أن يحقّق طرف من الأطراف كسباً ميدانياً بائناً يمكن أن يُبنى عليه كسب سياسي من النوع الذي تحقّق في دماج وهمدان وأرحب، الحوثيون لم يسقطوا مدينة عمران لكنهم أبقوا على الحزام الملغوم على خاصرة المدينة المروّعة، وبالمقابل خسر الإصلاح موقع المحافظ الذي كان يحتله واحد من أعمدة الجماعة وأساطينها محمد حسن دماج، لكنه في المقابل أبقى حتى اللحظة على أهم قائد عسكري له في المنطقة وهو العميد حميد القشيبي الذي لم يتخلّ الحوثيون عن المطالبة برأسه باعتباره أحد ألد خصومهم العسكريين. وحدها الحكومة سجّلت اختراقاً لافتاً للحالة في عمران بلعبها على كل كروت التناقض جميعها، فهي ظهرت إعلامياً كحالة كرتونية لا حول ولا قوة لها؛ رضخت لابتزاز الجماعة وحلفائها بفتح جبهة حرب جديدة في منطقة تقع على برميل بارود من أجل التنفيس عن العناصر الجهادية المتشدّدة في أبين وشبوة التي تعاني الأمرين، جرّاء حروب الجيش ضد إماراتها الجنوبية؛ بل إنها سيقت إلى الحرب مغصوبة حين ضربت تمركز الميليشيات في الأحزمة المحيطة بمدينة عمران متيحة بذلك لقرار الهدنة أن يتبلور بسرعة ليعقب بتسمية المحافظ الجديد «محمد صالح شملان» المحسوب على منطقة الرئيس السابق وعلى نظامه أيضاً دون الرضوخ لإملاءات القوى المشيخية التي دأبت على اعتبار عمران جزءاً من حصتها السيادية منذ أكثر من خمسين عاماً. عمران بالنسبة لقوى التحارب تمثّل القيمة القصوى بالحضور في المعادلة السياسية من أجل انتزاع مكتسبات اللحظة الأخيرة. الحوثيون ضخّوا بكل ما يستطيعون من عتاد ورجال إلى المنطقة ومحيطها والتي شكّلت في ذات الوقت مستوعباً لهذه القوة وسانداً لها من منطلق مذهبي أيضاً، وكان الهدف من ذلك التأكيد المطلق لسيطرة الجماعة على أهم الخواصر الزيدية في المربع المذهبي شديد التعقيد بعد أن دنت له تباعاً مناطق حاشد التي كانت تحت تأثير وسيطرة «آل الأحمر» وظلّت عمران بمتبوعاتها وشتاتها القبلي جزءاً من هذه التركة؛ إذ لم يتم أي من التسويات الكبيرة سياسياً في المنطقة على مدى التصارع في العقود الخمسة الماضية إلا وعمران كمرموز جزء من اللعبة. لهذا حين يصطف حزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفاؤه القبليون والعسكريون للدفاع عن عمران؛ إنما للدفاع عن المتراس الأخير في مناطق الشمال التي بدأت تفلت من أيديهم تباعاً أمام قوة استطاعت العبور إلى مدركات الناس ووعيهم البسيط من أكثر المناطق حساسية التي سبق وأن قلت عنها: «إن اطمئنان البعض على «تفسيل» الأنموذج المتشدّد في المناطق الزيدية الفقيرة والمتخلّفة، ارتدت وبالاً على حضوره السياسي والاجتماعي في هذه المناطق التي كان لمغنطة المذهب وهويته القوة الأقدر على جذب الجميع إلى عربة السيد التي يظنون بقدرتها على دهس الجميع في طريقها لاستعادة سطوة المذهب وسلطته, من الدخلاء على هذه الجغرافيا. اشتغال السلطة على توازنات القوى في معظم الأحداث التي شهدتها مناطق الشمال وآخرها أحداث عمران؛ وجد له تبريراته السياسية التي تقول بحكمة إمساك العصا من المنتصف، وعدم التورط في حروب عبثية تختلقها قوى التناحر الديني في مناطق شديدة الانغلاق، وأن إدامة تصارعها سيؤدّي مستقبلاً إلى إضعافها لتتمكن الدولة بأجهزتها من التغلغل إلى هذه المناطق برضا الناس وقبولهم بعد أن يصل بهم اليأس إلى منتهاه من عبث هذه القوى وجنونها. طرح نظري مثل هذا وعلى ممكناته سقط تماماً من زاويتين للقراءة: الأولى بتدخُّل الطيران بضرب بعض مواقع الحوثيين المحاصرين للمدينة، مضفياً بذلك شرعية على مغامرة القوة وتوفير غطاء إسنادي واضح لعمله بمعية المليشيات المسلّحة. الثانية قدرة الحوثيين على استعراض عضلاتهم الاختراقية لصفوف الجيش والأمن؛ وذلك بتنظيمهم مظاهرات في شوارع صنعاء وبعض المدن لضباط وجنود بزي عسكري يؤدون الصرخة ويطالبون بعدم زج الجيش في حرب عمران..!!. باختصار.. حيادية الحكومة سقطت بهذه الاختراقات البائنة للجماعات المتصارعة، وأن فعل التهدئة الهش لن يصمد طويلاً، وأن اللعب بكروت التناقض والمحاصصة المحروقة قد لا يطول، في ظل التعطيل الممنهج. [email protected]