توشك أن تتحول (الجمهورية ،الديمقراطية ، الوحدة ) إلى شيكات بدون رصيد .. وأقصد بذلك الرصيد الشعبي الذي يؤمن بها ، ولن يؤمن بها حتى يلمس أهدافها في حياته اليومية ( عزة ، كرامة ، عدل ، مساواة .. ) فليست الجمهورية مجرد علم أو نشيد وطني .. هكذا هي الأهداف الثورية .. وكل الثورات في العالم تقوم من أجل تحقيق التقدم للشعوب . التقدم الذي يتحقق من خلال شعور كل فرد بذاته في مجتمعه ، وبالمواطنة المتساوية ، بالعدل ، بالإنصاف ، بتكافؤ الفرص .. ما لم يتحقق ذلك أو على الأقل ما لم يكن هناك توجهاً واضحاً لقيادة البلاد نحو تحقيق ذلك فينعكس في مؤشرات يومية للتحرك نحو تلك الأهدف فلا يمكن أن نتحدث عن تغيير . لا يمكن أن تتحول الثورة أي ثورة الى مجرد استهلاك إعلامي ، أو ظاهرة صوتية في هذه الحالة لم تعد الثورة ثورة وإنما أصبحت مجرد مغالطة يكشفها الواقع ، أو تعويض عن عجز في تحقيق الأهداف . عندما تغيب الأداة الثورية المعبرة عن الجماهير بتطلعاتها و آمالها يحدث فراغ مغري للقوى المعادية للثورة لتسويق نفسها كبديل عن تلك الأداة .. ومع أنها تقدم بديلاً مزيفاً لا يصمد كثيراً أمام الواقع إلا أنه يستنفد الكثير من الوقت والطاقات والدماء والإمكانيات . رغم صوابية الفعل الثوري وعنفوانه ومصداقيته الإ أنه كثير ما يصاب بانتكاسه عندما يحل الغباء السياسي العاجز عن التعبير الواضح عن الثورة محل القدرة على مواصلة الإقناع للجماهير بأنه لا يزال يسير في الطريق الصحيح منتصراً لإرادتها ..( لهذا يقال إن الثورة يخطط لها المفكرون وينفذها الشجعان ، ويستثمرها الانتهازيون ) ... لأنه في الوقت الذي يخطط فيه المفكرون ، وينشغل الشجعان بتنفيذها يحتفظ الانتهازيون بطاقاتهم لوضع خطط التآمر فيتحينون الفرص للانقضاض على الثورة سواء لمعرفتهم بأن منفذي ومخططي الثورات قد استنفدوا طاقاتهم في التفكير والفعل الثوري ، أو لتقديم أنفسهم كخبراء سياسيين يتطوعون لاستكمال تنفيذ الثورات بالطريقة التي تخدمهم. غير أن الثوار الاذكياء هم من يضعون خططهم المتكاملة ذات الطابع الاستراتيجي المحدد الأهداف القصيرة ، والمتوسطة ، والبعيدة المدى آخذين في الاعتبار أن التغلب على العناصر الانتهازيه المتسلقة هي مهمة مستمرة في المسيرة الثورية .. ولتكتسب الثورة طابع الاستمرارية في التغيير لابد أن تمتلك القدرة على تحجيم وكبح جماح العناصر الانتهازية وهي على كثرتها لا يعد تصفيتها جسدياً انتصاراً ثورياً . ولكن إجبارها على تغيير فكرها ذاتياً والانخراط الايجابي الصادق في المسار الثوري إدراكاً بأنه لم يعد لها مكان في الواقع الجديد .. وهذا ما يميز التفكير الثوري عن التفكير الثأري لأنه يسعى عبر التسامح والأخلاق الثورية الى منح الجميع فرصة الانخراط في الثورة في أي وقت باعتبار أن باب التوبة والعفو والغفران مفتوح من باب الافتراض المسبق لحسن النية مع التحلي بكل صفات اليقظة والاحتراس . [email protected]