هو السلوك المفترض أن تبادر إليه القوى والتيارات السياسية في مختلف الظروف والأزمان .. لكنه في هذه الآونة يصبح أكثر أهمية وأكثر إلحاحاً في ظل حالة التشويش والضبابية التي تتخلل المشهد السياسي ، ذلك التصالح الذي يفترض أن يبدأ من الذات مثله مثل أي ثورة قبل أن يتحول إلى واقع ملموس . والتصالح لن يتطلب أكثر من التضيحة بحالة القطيعة التي تعيشها الاحزاب والقوى مع الوطن ، مع قواعدها ، مع الجماهير من حولها حتى تتمكن من الالتصاق بهمومها والتعبير عن معاناتها ، والخروج من حالة الانفصام بين ما تتضمنه برامجها السياسية ، ومضامينها الفكرية ، وبين ما تتبعه من سلوك لا يمت الى تلك البرامج والمضامين بصلة .. إن التصالح يتطلب أيضاً ممارسة الديمقراطية الداخلية في البناء التنظيمي لتلك الاحزاب التي لا زالت منذ عقود تحتفظ بتلك القيادات المعتقة التي عفى عليها الزمن ، ولم تعد قادرة على مواكبة عمليات التحديث والتطوير المتسارع التي يعيشها العالم من حولها .. لقد أصبحت ليست متخلفة عن العالم فحسب بل إنها صارت متخلفة مقارنة بقواعدها وأنصارها والجماهير العريضة .. إذن المصالحة مع الوطن هي أولوية يجب أن تتصدر أجندة الاحزاب والتنظيمات السياسية ، في بنائها التنظيمي أولاً ثم في علاقتها مع الجماهير ، ومن ثم في علاقتها مع بعضها البعض .. إن إنهاء القطيعة بين الاحزاب السياسية الوطنية هي من شروط قيام مصالحة حقيقية تنطلق من الدور الوطني الاجتماعي للاحزاب ، ولا تقتصر تلك المصالحة فيما بين القيادات ذاتها .. ولكن يجب أن تتحول الى حالة اجتماعية تحقق التواصل والتكافل بين القواعد الحزبية ، لتتحول المصالحة الى فعل اجتماعي وممارسة يومية تعيد الاعتبار للكثير من القيم التي أوشكت أن تتلاشى بفعل الأزمات المتلاحقة التي عانى ويعاني منها شعبنا .. لابد من المصالحة الوطنية التي تبدأ بالتصالح مع الوطن ، وتطويع كل علاقة مع الخارج بما يخدم مصلحة شعبنا ووطننا .. ذلك أن علاقات بلادنا بمحيطها الاقليمي والدولي يجب أن تتواصل بانفتاحية عالية وفقاً لمبادىء العلاقات الدولية التي تقوم على احترام السيادة الوطنية وتحقيق الشراكة والمصالح المشتركة ..إذن التصالح مع الوطن هو أيضاً بداية الطريق للتصالح والانفتاح مع الخارج وتحقيق المصالح المشتركة .. [email protected]