واقع مؤلم.. وتأرجح بين مطرقة الحاجة وسندان البلدية الأشغال: هدفنا تطبيق القانون لا قطع أرزاق الآخرين- استطلاع/ عبدالرب الفتاحي ..العمال وأصحاب المفارش والبسطات الذين يتنقلون من شارع إلى آخر بحثاً عن الرزق الحلال والابتعاد عن الارتماء للنوم والسؤال يجدون أن أعمالهم لاتريحهم ولم تغير من واقعهم بشيء ومجيئهم إليها من باب الضرورة وستر الحال فهم كما يقولون غرباء عن ذويهم طوال مدة العمل لكنهم أيضاً يحبون العودة لكن ليس هناك مايفرح الأهل، فالرغبة في العمل عندهم مفقودة لكنهم مجبرون بعد أن ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت. أعمل من أجل التعليم في حياة «علي حسين ناصر» شخصيتان احدهما عاملة والأخرى طموحة لكن ربما أن شخصيته العاملة أكثر حضوراً ومعاناة يقول علي حسين عن حياته العملية «عملنا متعب ونحن كما ترى نقوم بنقل النيس من أجل نمشّي حياتنا ويومنا ورغم أننا غير مرتاحين بهذا العمل إلا أن ستر الحال وتجنب البهذلة جعلتنا نرضى بالموجود كما أننا نشقي على أسرة ومن أجل توفير احتياجاتها فإننا نطيل في أوقات العمل ونؤجل رؤيتهم لأننا نوفر المال لهم ولذلك نفضل الغربة على القرب». معاناة ويضيف علي حسين: «رغم المعاناة التي ألقاها والدخل القليل الذي أحصل عليه فإنني أود أن أكمل دراستي وأقوم بشراء هذه الكتب من مصروف العمل كما أن مراجعتي تكون أثناء وجود الفرص لكن طبيعة العمل والإرهاق الناتج عنه إضافة إلى تأخرنا في القيام بالعمل يجعلنا مقصرين بجانب الاهتمام بالتعليم». ويؤكد علي حسين في نظرته إلى عمله «العمل الذي نحن فيه تعب وألم وعدم وجود الراحة والهدوء لكن هو خيارنا الوحيد الذي فرض نفسه علينا لأنه لايوجد إلى جواره عمل آخر وإذا حاولنا الابتعاد عن هذا العمل فإننا حتماً سنخسر لأن هناك الكثير سوانا ممن يبحثون عن عمل. كثرة العمال وقلة العمل استيقظ كل يوم مبكراً في محاولة مني للتغلب على النوم مندفعاً إلى العربية أو الجاري لكي الحق بطلاب المدارس فهم من يشترون البضاعة من قصب السكر وغيرها من المواد البسيطة من هنا تبدء حكاية بليغ عبدالقوي في سرد فصول معاناته منذ صباحه المبكر ويتابع بليغ حديثه بالقول: عملي كله جري ومشاوير وتكون المدارس هي أهم الأماكن بالنسبة لي من أجل أكمال البضاعة لكن أحياناً تكون المدارس مقفلة بسبب العطل والأعياد فأختار الحارات بدلاً منها لكني لا أسلم من أذى أصحاب الحارات في بعض الأحيان إلى جانب مثل هذه المعاناة فإن الاطفال يشكلون عائقاً أمام طلبة الله بحيث يذهب الضمار نتيجة قيامهم بالسرقة وبعض الاعمال التي تؤدي بالنهاية إلى فقدان الربح فأحياناً يقوم طفل بشراء حاجة معينة والآخرون من الاطفال يأخذون من البضاعة دون علمي بضعف المبلغ. ويبدي بليغ امتعاضة من عمله باعتباره «غير مربح» ويؤكد: لست راض لكنني مقتنع بضرورة إيجاد عمل وهذا ربما مستبعد لقد كنت فيما مضى أعمل بالمطاعم والبوفيات لكن كثرة العمال في هذا الجانب أوصدت الأبواب أمامي ومن ثم أخترت هذا العمل ويبدي بليغ حزناً لعدم وجود الربح في تجارته قائلاً «العمل أحياناً جيد وأحياناً أكون في ضائقة من أمري فالربح يرتفع مرة وينقص في مرات عديدة وأحياناً أفقد ماجمعته في لمح البصر». احرقت عمري دون فائدة الناس لم يعد لديهم أقبال كبير على الشراء وهناك عاملان اثنان يشتكي منهما قاسم الصلوي الذي يقوم ببيع حبات الهند بعد احراقها على الفحم ويتابع قاسم حديثه بالقول «فيما مضى كان سعر الجونية الهند ثمانمائة ريال والآن وصلت الجونية إلى الفين وخمسمائة ريال والناس انقطعت عن الشراء وأصبح هناك قلة فقط من يشترون فلي مدة هنا ومازال الربح ينقص يوماً بعد يوم كما أن مادة الهند معدومة وإذا جاءت سيارة تحمل هذه المادة خطفوها غيري من أصحاب المهنة أثناء بداية القيام بمثل هذا العمل كنت أحاول تملئة فراغ أما الآن فإنها مصدر رزقي الوحيد بعد أن قضيت في هذا العمل 13 عاماًوهو متعب ومشيب لأنك دائم على النار حيث أحرقت عمري هنا دون أية فائدة أو ربح. ويشتكي قاسم الصلوي من مداهمة البلدية أحياناً له فيقول «البلدية ماخلت لأحد حاله وإذا استطاعت الأمساك بك فما عليك إلا التعب والبحث في تخريج حقك الجاري لاندري كيف يقيس مثل هؤلاء الناس حساباتهم فالشارع وتنظيفه مهم لكن ليس على حسابنا». لا أتقن غير هذا العمل «عبده الفقيه» شيخ كبير جالس على أحد أبواب المساجد يقوم ببيع المساوك لكنه مرغم على القيام بهذا العمل حيث يقول «العمل عندي حامي وبارد مرة لك ومرة عليك الأمور لم تتغير وعملي متعب لكنني مرغم عليه فبالرغم من سني الكبير إلا أنني مازلت مستمراً على العمل لم أعرف يوماً أنني ارتحت أو ذقت حلاوة الجلوس في هذا العمل ربما يكون أفضل وقريب إلى نفسي حيث أنني لا أستطيع ممارسة عمل غير هذا فبيع المساوك قل والناس لم يشتروا إلا طائفة منهم حيث إتجه كثير من الناس إلى استخدام معجون تنظيف الأسنان». لارضى عن هذا العمل هذا مابدى واضحاً في حديث عبدالفقيه حيث قال «لست مستفيداً على الاطلق من عملي فهذه المادة معرضة للتلف إذا طالت مدة بقائها أو خزنها وبهذا تكون الخسارة أمراً واقعاً ولامهرب لي منه لكن إذا كان البيع في البداية جيداً فإنني أحتفظ بالفائدة أما إذا تأخرت المساوك ولم أبعها فإني أخسر فيها»، ويضيف: «أبنائي تركوني بعد تربيتهم وعندما أصبحوا رجالاً وتزوجوا نسوا فضلي عليهم وصدقوا نساءهم ولم يعد الاهتمام بي أمراً ضرورياً عندهم». الهروب إلى البطالة الحراج موضع مكاني محاط بأكبر عدد من الناس الباحثين عن عمل في محاولة منهم للهرب من الفقروالبطالة لقد وجد مثل هؤلاء العمال أن الحراج قد بدأ مكتظاً بالعمال الذين كثروا بشكل مروع بحيث صار مثل هذا الأمر يؤرق بعض العمال صالح محمد عبده عامل في الحراج يصف معاناته بالقول «خمسة أيام مضت وأنا أزور هذا المكان كل صباح وانتظر إلى وقت طويل واقف بين هذه الحشود الكبيرة وإذا وجدنا أنفسنا متعبين من الانتظار نلجأ إلى حماية رؤوسنا تحت ظل أي محل من حرارة الشمس أما إذا وجدنا عملاً فهو يوم شاقي على أيام الفرغة ويضيف صالح محمد «قد نعمل في الحرج يوماً أو يومين لكننا نجلس بعد ذلك أسبوعاً والذي جمعناه نرجع نصرفه على باقي الأيام أحياناً نصل إلى حد الفقر «المدقع فتنعدم عندنا معوقات الحياة والحركة نتيجة الجوع». بسطة صغيرة لاتفي بالطلب كان عبدالكافي يعتقد أنه لو قام بفتح بسطة صغيرة بدون الجلوس في الحراج فإن ذلك أمراً جيداً وربما سيكون مربحاً لكن حقيقة بناء البسطة أتضحت بعد تنفيذها بحيث خيبت آمال صاحبها حيث يقول عبدالكافي عن هذه التجربة التي مازال يعيشها «بدايتي في مزاولة هذا العمل جاءت نتيجة الحاجة لم أكن متصوراً أن العمل بهذه البسطة سيكون ضعيفاً إلى هذا الحد لقد أردت الخروج من عمل الحراج والانتظار الطويل في البحث عن طلبة الله خاصة أننا أصحاب أسر ولهذا أندفعت أنا وأحد الأشخاص أو الاصدقاء إلى فتح هذه البسطة وكنا نتخيل أنها ستكون مفيدة وسوف تلبي مطالبنا لكن للأسف أتضح لي ولشريكي أن بقاءنا على هذا المفرش لن يؤدي إلى أية فائدة» ويعبر عبدالكافي عن البداية غير الموفقة بالقول أتجهنا منذ البداية نحو الخسارة حتى انفصالنا عن هذه الشراكة واستقرت البسطة لي ورغم سيطرتي عليها إلا أنني خاسر ولا أملك أية فائدة منها ويشكو عبدالكافي من تصرفات البلدية بالقول «لاندري أية طريقة يفكر بها القائمون على هذا العمل كان يمكن لهؤلاء الناس أن يفكروا أننا لدينا أسر ولايجب الأضرار بمصدر رزقنا. هنا الكثير من يشتكي والذين أصبحوا معرضين إما للهرب أو أن تؤخذ بضاعتهم وعندما ستؤخذ البضاعة فإننا لانستطيع إخراجها إلا بعد جهد نرجو من أصحاب الشأن أن يضعوا حلولاً لمثل هذه القضايا. الشاب محمد سيف بائع للشعير يقول: عن معاناته في هذا العمل «ياأخي ايامنا في هذا العمل صعبة يعني أنك تعمل من الصباح إلى المساء بدون ربح يعني تقضي أياماً أو شهر العسل بهذا الشغل بعد أن رفضتنا جميع الأعمال واستقرينا نهائياً على هذه الشغلة بنت الحلال وهي شغلة متعبة واقفين فيها نريد الخير ولا رأينا حتى إشارته بحثنا عن عمل وما وجدنا عملاً غيره قلنا لغيرنا وأصحابنا يدوروا لنا عملاً وجدنا هؤلاء الأصحاب هم من يشتوا العمل. لايخفي محمد سيف امتعاضة من حملات عمال البلدية قائلاً: «النظافة مهمة صح لكنها ليست أفضل من تركنا نموت من الجوع. نحن أكثر التزاماً بالنظافة وسوف نلتزم بكل القواعد والأنظمة أريد فقط أعرف أيش رأي أصحاب الاختصاص في البلدية لو رميت نفسي في البحر من أجل النظافة يخلونا نطلب الله ونشقي على أسرنا «انهم يريدون قطع ارزقنا وجعلنا بلا أعمال». أعمالنا مستمرة لتطبيق القانون مدير مكتب الاشغال في مديرية المعلا محافظة عدن أوضح الأسباب التي تستدعي التدخل حيث قال الأخ/ خالد عبدالحميد مدير الاشغال «هدفنا تطبيق القانون سواء قانون البناء أو قانون التخطيط وغيرها من القوانين. واعتبر المهندس خالد عبدالحميد «أن عملية المتابعة سوف تستمر حتى تطبيق القانون على الجميع وحتى يعرف البسيط وغيره أن تطبيق القانون هو من مصلحة الجميع». وأضاف قائلاً «القوانين تمنع البيع في الشوارع التي صممت للسيارات والرصيف صمم للمشاه وهذا يعتبر مخالف للغرض الذي صمم من أجله والذي يعتبر مخالفة للقانون وعلى الجميع أن يطلعوا على القانون قبل مراجعتنا كجهة مختصة». وأتهم المهندس خالد البائعين بقطع الطرق قائلاً: ماهو رأيكم في قاطع الطريق نحن نداهم قاطع الطريق ولسنا قاطعي ارزاق فالأرزاق هي من عندالله مضيفاً «أن القانون لم يحدد أي رخص فيما يتعلق بالأرصفة والشوارع وهناك سوق ومساحات فارغة لكن الباعة لايدخلون السوق لأنه لا أحد يأتي إليهم». التراخيص هي الحل الدكتور سعيد هيثم رئيس قسم القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة عدن كان له منطلقاته القانونية لحل هذه المعضلة قائلاً «أصحاب الحرف البسيطة يعتبرون من منظور القانون تجاراً فأي واحد صاحب حرفة بسيطة يعتبر تاجراً بحيث لايزيد رأس ماله عن ال 50 ألف ريال والقانون يعفي هؤلاء من التسجيل بالسجل التجاري لكنه لايعفيهم من النظام والرسوم». ويضيف الدكتور سعيد «لابد لهؤلاء من أصحاب الحرف البسيطة من تراخيص تصدر من قبل البلدية من خلالها يستطيع الباعة ممارسة أعمالهم سواء كان ذلك في الشارع أو السوق أو الأماكن التي تخصصها البلدية بحيث توخذ رسوم رمزية مقابل النظافة أو تخصيص الأماكن التي تكون في مكان مناسب بحيث لايؤدي ذلك إلى إعاقة المرور أو المشاة في الشارع». ويرى الدكتور سعيد أن وجود القانون ضروري قائلاً «إن أصحاب البلدية قد لايتوفر لديهم مثل هذا القانون لكن يجب على المجلس المحلي أن يصدر لهم تشريعاً يسمى بالتشريع الخاص أو المحلي وعلى المجلس مراجعة القوانين واللوائح وإذا وجد غياب لهذه اللائحة فعليهم أن يضعوها ليحلوا بها هذه المشكلة. نتائج سلبية ويحذر الدكتور سعيد أن عدم وضع الحلول لهذه المشكلة سيؤدي إلى نتائج سلبية قائلاً «لابد للمجلس المحلي أن يوجد حلاً وإلا سيظل الصراع بين الباعة والبلدية والشرطة قائماً والخاسر الوحيد من هذا الصراع هو المجتمع فالبائع هو عضو في المجتمع وعنده أسرة وعليه حق إعالة هذه الأسرة والدولة يجب أن توفر لهذا البائع الحماية مادام يقوم بعمل مفيد وعليها دعمه ومساندته وعلى الأقل توفير المكان المخصص له». لابد من الحل المناسب يمكن القول ختاماً أن أصحاب البسطات والباعة المتجولين لهم الحق في الحصول على الرزق المناسب الذي يعيلهم ويعيل أسرهم لكن القانون يبقى سيد الموقف فهو لايعطي لهؤلاء الحق في احتلال الشوارع والأرصفة وقطع الطرق على المارة بغرض المتاجرة والحصول على الربح.. ومن هنا يتوجب على الجهات المعنية البحث عن أسواق خاصة وفي ذات الوقت مناسبة من حيث حركة البيع والشراء فذلك هو الأسلم حتى لايجد الباعة أنفسهم مضطرين للعودة إلى الشارع.