أمل محمود : تك..تك..تك..دقات قلب مليء بالحب والحياة والجمال عندما يتبدى أمامك الجمال الإلهي المرسوم في خلقه ومخلوقاته..من هنا كانت البداية قرية العامر تتوسط المناظر الخلابة على القمم الشامخة في منطقة شرعب محافظة تعز كلوحة بديعة ساحرة الألوان تحيط بها مدرجات زراعية من القمح والذرة وأغصان البن المزهرة.. فيما نسائم الفل والزهور تفوح شذاها فتتغلغل في النفس والقلب سريعاً.. انك تشتاق وتشتاق لروح أرضها وطعم ترابها وشموخ جبالها وقراها واخضرار وديانها وخرير ينابيعها العذبة المنسابة وشلالاتها المتدفقة باستمرار في العام..كما تشتاق لمراعيها وأناسها الطيبين الذين رسم الزمن اجتهاداته على وجوههم وفاح الماضي بعطر أنفاسه وأحداثه كي يوقظ الحنين في القلب. فما أجمل وأحلى صباح ذلك اليوم في تلك القرية التي تحاكي الأمل بين الضباب وقطرات الندى ليستظل بها كثير من المحبين..وماألطف طبائع الناس الهادئة السلسة كينابيع وشلالات القرية كيف وهي الحب والعشق والجمال وإليها الانتماء.. بعد أن أمضينا لحظات ممتعة بين مدرجات البن غادرنا سريعاً شموخ شرعب وودعنا تلك الحسناء «العامر» ونحن في حالة شوق لها وقديماً قالوا:« عندما يرحل الإنسان من أطواق الحياة لايحمل معه شيئاً ويبقى ذكراه». الوادي العظيم وعلى امتداد البساط الأخضر استكملنا التجوال في مناطق واسعة من تعز الجمال والثقافة والحضارة وعرفنا مناطق أخرى كجبل أرف المليء بالغابات والأشجار النادرة ووادي رسيان بمديرية مقبنة ومنطقة بلابل بمديرية المواسط وجبل صبر وغيل وادي عبر مديرية الشمايتين بالحجرية ووادي البركاني الشهير الذي أدهشتنا مناظره السياحية الممتدة على مساحة طولها حوالي 9 كم وتنحدر من الوادي عدة ينابيع جبلية تروي طبيعة الوادي الغني بالأشجار وزراعة الفواكه والخضروات ومنها أشجار المانجو والليمون والبرتقال والباباي والموز والنخيل والذرة وفي الوادي شجرة تسمى شجرة الغريب يقال إن عمرها يصل إلى قرون عديدة ويحكي الناس الكثير من أساطيرها ويستطبون من أوراقها وجذورها.. وعندما تمر من هذا الوادي تشاهد مئات الزوار والسياح يأتون إليه للتمتع بالمناظر الخلابة فيه والاستشفاء من ينابيع المياه والتعرف على أصناف مختلفة ملونة من الطيور الجميلة المغردة والتي تعطي أصواتها نغماً سيمفونياً له موسيقى تنسجم مع طبيعة المكان الفريدة في تعز. ويقع وادي البركاني جنوب مدينة تعز وبه محطة استراحة للمسافرين في أماكن طبيعية تسر الناظرين. ومن أجمل الأماكن السياحية والطبيعية المعروفة جبل صبر المطل بشموخه على مدينة تعز إذ يصل ارتفاعه إلى 3070م فوق سطح البحر ويعتبر ثاني قمة في اليمن بعد قمة جبل النبي شعيب الواقع غرب صنعاء على ارتفاع 3750م فوق سطح البحر، ويتميز الجبل الأخضر بمدرجاته الزراعية وأشجاره ويحوي آثاراً حضارية وتاريخية هامة كمكان أهل الكهف. كما أن الطريق الاسفلتي من مدينة تعز إلى جبل صبر أوجد كثيراً من الخدمات السياحية والترفيهية للزائرين والسواح وينتصب صبر وسط وادي الضباب المشهور بشلالاته وينابيعه وجماله الفاتن..وقد تفنن وتغزل بسحره ودلاله العديد من الشعراء والفنانين كالشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان الملقب بالفضول والذي كتب فيه: وادي الضباب ماءك غزير سكاب.. نصك سيول والنص دمع الأحباب وقد غنى هذه الكلمات الفنان الكبير أيوب طارش عبسي. مكان أهل الكهف جبل صبر يتمتع بمناظر طبيعية ويضم في جنباته حكايات تاريخ عتيق يحكي عن حقيقة تاريخية لليمنيين القدماء كحقيقة مكان أهل الكهف الذين ذكرهم القرآن الكريم وسرد قصتهم في سورة الكهف، وأجمع معظم المؤرخين على مكان قصة أصحاب الكهف بأنها في جبل صبر. وعندما تزور قرية المعقاب في الجبل مكان أهل الكهف تحس بالسعادة والجمال يلف القرية وموضع أهل الكهف في هذا المكان من جبل صبر حسب ماذكر عدد من المؤرخين كما في كتاب ابن المجاور الذي وصف الكهف في الجبل من اليمين وذكر أسماء أهل الكهف :«مكسلمينا يمليخا سمرطوس كسرطريوس وفرورس محمسيتا». واسم كلبهم:« دير أوقطير» ويقال:« حمران انطيس والحاين» وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد» وعلى باب الغار مسجد وعلى باب المسجد عين تسمى عين الكوثر ومكان أهل الكهف يطابق مكان أهل الكهف في جبل صبر حسب الكتابات التاريخية والدلائل والحقائق المشاهدة في القرية من مكان الكهف والصخرة والتي يستند عليها في اثبات هذه الحقيقة الإنسانية جاء في كتاب ابن المجاور:« بلى لأن دقيانوس كان الملك الذي أسس مدينة الكدراء وسكن مدينة الجند وكان القول من أهل الأفسوس. . فلما خرجوا من مدينتهم صعدوا جبل صبر فأووا إلى الكهف». وهناك مواقع أثرية لاتزال قائمة في تعز التي عرفت الاستيطان الحضري منذ أقدم العصور وظلت لفترة طويلة عاصمة الدولة الرسولية في القرن السابع الهجري وهي الدولة التي حكمت اليمن حتى القرن السابع الهجري وتزخر بأكبر مجموعة متنوعة من الآثار الإسلامية في المدارس والأضرحة والحصون والقلاع والأسوار وتضم مدينة تعز متحفاً وطنياً يضم مختلف الآثار أهمها جامع المظفر والمدرسة الأشرفية التي شيدت عام 800 هجرية وقلعة القاهرة الرائعة من وجهة النظر المعمارية وهي واحدة من أكبر القلاع اليمنية حجماً وأكثرها دقة في البناء وتحتل القلعة مكاناً مناسباً في موقع منحدر في جبل صبر على ارتفاع حوالي 180متراً عن تعز وقد شيدت قديماً كموقع عسكري لتحمي المدينة من الغزاة وقد عثر داخل القلعة على العديد من المقتنيات الأثرية من زخارف وفسيفساء وقطع من السيراميك، وتم تهيئتها للنشاط السياحي كمتحف أثري. وفي تعز يوجد جامع الجند في مدينة الجند والذي بناه الصحابي الجليل معاذ بن جبل في العام السادس الهجري ويمثل منارة إسلامية وتاريخية في المدينة. فكل من يزور مدينة تعز يمر على الجند لمشاهدة هذا الجامع الإسلامي الذي كان فيضاً نابعاً لانتشار الإسلام في اليمن مع دعوة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم. أسواقها التقليدية التسوق لايكتمل من دون الإحساس بمتعة وسحر التجوال بين أسواق تعز حين تشدك الروائح العطرة والتوابل والقهوة في محلات المعطارة والحوانيت القديمة وتجذبك مقتنيات بيع الحرف اليدوية والفضة والأزياء الشعبية النسائية والرجالية ويعد سوق الشنيني أحد أبرز الأسواق التقليدية ويقع وسط المدينة ويمتاز بمحلاته التجارية الحديثة والقديمة ويجمع بين الأصالة والمعاصرة. ولعل أهم مايلفت نظرك هو أماكن بيع حليب الإبل الطازج وبأسعار زهيدة والذي يمثل وجبة صباحية لكثير من السواح والزائرين إلى تعز وكذلك وجبة الجبن البلدي مع التوابل والمشهور به تعز وخاصة في جبل صبر. وعندما تزور أسواق تعز تلمس عن قرب نشاط المرأة وخاصة المرأة الصبرية التي تتميز بالمهارة في العمل والتسوق فهي تحرث الأرض وتسوق المنتجات الزراعية من الفواكه والخضروات بأنواعها والكاذي والرياحين وتبيع الزي الشعبي والحلي والمشاقر وهي نباتات عطرية تضعه المرأة على الجانب الأيسر من الوجه كما تقوم المرأة في تعز بالحياكة والتطريز للملابس والزنابيل والظلل الواقية من الشمس. وتشتهر تعز بالعديد من الأسواق على ممرات الخط الاسفلتي الممتد إلى محافظات أخرى ومنها عدن وإب كسوق الضباب على طريق التربة وسوق الدمنة والثلاثاء والسبت.