ذات يوم بعيد قال الشاعر الفذ امرؤ القيس: كأني لم أسر بدمون ليلة ولم أشهد الغارات يوماً بعندل و«دمون» و«عندل» من بلدان وادي دوعن في حضرموت، حيث أشجار النخيل تشمخ في كبرياء.. وحيث أشجار السدر «العلب» تمنح بسخاء للنحل أطيب مصادر العسل «الدوعني» الشهير في أرجاء الدنيا.. وفيه «شفاء للناس».. ثم حيث القباب ومآذن المساجد البيضاء تعانق السماء في إجلال مهيب..!!. من هنا جاء امرؤ القيس.. ومن هنا مضى يجوب الأرض شعراً وأحلى الكلام.. ومن هنا - أيضاً - أطلق فيض مشاعره المترعة بالحب.. والشجن: تطاول الليل علينا دمون دمون إنا معشر يمانون وإنا لأهلنا محبون فتجاوبت مع أصدائها جبال وكهوف الوادي.. ومنازلها الطينية العتيقة.. وظلت أغنية خالدة ترددها قيثارة الزمن. ودوعن بشقيه الأيسر والأيمن.. كتاب مفتوح تحكي أسطره حكايات جميلة ورائعة من العشق والغناء.. وهجرة رجال الشعر والاقتصاد الذين طبعوا أسماءهم بجدارة في خد الزمان العربي.!!. ومن هذه القرى والمدن المتناثرة بمودة على ضفاف أوديته تنبعث من شرفاتها الإشاقة والضوء.. والفرح.. ثم من مستوطناتها التاريخية القديمة «ريون» «معبد القمر» «مغارة القزة» يطل رجال عظماء حاملين لك مباخر العطور واللبان والبخور، وحجارة سطّروا عليها حكايات من مجد.. وتجارة وحضارة. وفي ركن قصي.. وعلى قمة جبل شامخ تقف مدينة «الهجرين» شاهدة على العصر، وعلى كل الرجال الذين مروا من هنا.. و«الهجرين» مدينة بطعم العسل، وبلون الشمس.. وبنكهة الحناء.. مدينة هام في عشقها والتشبت بها شاعرنا الكبير/حسين أبوبكر المحضار فقال: من قال خذ قصر في مصر باقول باإلاكوت في الهجرين وكثيرون هم الذين هاموا وتجلوا حباً وشوقاً وإعجاباً بدوعن، وكان عسلها وجهان لعملة واحدة: منك يا عسل دوعن قوت العاشقين وهاهو الشاعر الأمير/أحمد فضل القمندان يقول: يا حلو يا شهد دوعاني وطعم المربى ولاشك أن وادياً يمنحك أجود العسل جدير بأن يسكن في الفؤاد.. وفي الذاكرة.. وفي قوافي الشعراء.. وفي دليلك السياحي لزيارة اليمن.. وفي مفكرة عناوينك. فهذا الوادي - شئت أم أبيت - يأسرك بامتداد الصفاء فيه والرواق.. وبزغاريد الطيور.. وأهازيج الجمّالة.. والأطفال.. وغناء الحقول. إنها متعة ما بعدها متعة، تشرح البال.. وتملأ العين سحراً وبهجة.