من الطبيعي تماماً أن تكون إيران مهمومة بما يجري في الساحة العراقية لأسباب كثيرة يعرفها القاصي والداني . غير أن هذا الهم يتضاعف يوماً بعد آخر لأن ترتيبات الوضع العراقي الجديد تبدو أبعد ما تكون عن حسابات وتقديرات وأماني طهران ..كانت الحسابات الإيرانية تتمنى أن يكون لآية الله السيستاني مكانة مقاربة لمرجعية علي خامنئي .. لكن الأمريكان وبالرغم من الحملة الشاملة التي شنوها ضد النظام السابق ما كان لهم ان يتفهموا احتمال أن تنشأ دولة دينية في العراق أو دولة تستظل بولاية الفقيه غير المتوج .. لهذا السبب وجد السيستاني نفسه أمام حقائق مفارقة لتلك التي كان يتوقعها .. خاصة بعد أن أدركت الإدارة الأمريكية أن موقف السيستاني المترقب الذي لعبه مع تيار مقتدى الصدر عن طريق تركه يجول ويصول في ساحة الوغى دلل على تحالف غير معلن بين السيستاني والصدر أو تحالف بالتفاهم في أسوأ الأحوال .. لهذا السبب أعادت إدارة الاحتلال تدوير عناصر الفعل المستقبلي باتجاه استبعاد الجلبي الذي طالما راهنت عليه بوصفه حلقة الوصل مع الشيعة .. كما بدأت إدارة الاحتلال في الأخذ بالترتيبات الأمنية في (الفلوجة) على أساس تسليمها لكبار ضباط النظام السابق مع فتح الباب للتحاور مع المقاومة المحسوبة على ألسنة واستبعاد الأطراف الأكثر تطرفاً أو التباساً بالإسلام السياسي ..تحدد الموقف الأمريكي في الرفض المبدئي لأية تيارات محسوبة على الإسلام السياسي سواء كان شيعياً أم سنياً. هذه التطورات لابد وان تقلق التيار المحافظ في إيران وان تجعله يستشعر الخسارة الفادحة التي تلاحقت في معركتي أفغانستان والعراق .. ففي المعركة الأولى خرجت إيران من الحسبة بالرغم من سكوتها على الاجتياح الأمريكي .. وفي الثانية تجد نفسها خارج اقتسام الكعكة بالرغم من رهانها على التشيع السياسي أمام هذه الحالة من الممكن أن تلجأ إيران إلى إشهار أوراق مغايرة لمسارات اللعبة السياسية الناعمة والمراهنة على اصطفافات الساحة الشعبية .. فقد تبين الآن أن شيعة العراق ليسوا بعيدين عن السنة من خلال الروابط العشائرية والقبلية .. كما تبين أن ورقة الثنائية التصادمية بين الطرفين مخرومة بسبب الحقيقة التاريخية التي تكرست وشملت عموم العراق .. فالعشيرة الواحدة تتوزع بين المذهبين والأفراد يتداخلون .. وقد كان النظام السابق مدركاً لهذه المسألة ممسكاً بأهداب توازنها .. ولذلك تمكن من أن يسوس العراق بالرغم من دكتاتوريته وجنونه