الحديث عن الفكر الذي يوجه السلوك الإنساني في أي مجتمع يستند في تكوينه إلى إطار مرجعي شامل من المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأعراف التي يكتسبها الأفراد من بيئتهم المحيطة بهم، ومن الثقافة السائدة في مجتمعهم، ليتشكل معها الوعي الذي يساير خطوات تلك التنشئة، ثم يمارس السلوك دوره وفق هذا الإطار.. الذي يشكل الدين أحد أبرز محدداته، إلى جانب ما تمليه طبيعة النظام الشمولي أو الديمقراطي الذي يحكم سياسة المجتمعات التي يعيش فيها هؤلاء الأفراد، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على حياتهم اليومية. ووفقاً لهذا المنظور نجد أن الفكر هو انعكاس للبيئة التي يعيش فيها الفرد، حيث إن مدخلات هذه البيئة تؤثر على مخرجاتها، فالإسلام وهو دين الفطرة، تؤثر أحكامه وتعاليمه على الفرد، فيكون سلوكه وفقاً لهذه الأحكام، لا يحيد عنها، ولا يقفز عليها، فمصادر الوحي التي تستوجب الاصغاء والتقديس هي التي تؤطر فكر المسلم، وترسم له السلوك الذي ينهجه في الحياة. وبناءً على هذا الاستقراء يتأكد أن الإطار الذي نعني به الإسلام هنا، هو إطار ثابت لا يتغير ولا يتحول، ولكن الاختلاف هو مدى اتساق فكر المسلم وسلوكه مع هذا الإطار، والحدود التي يسمح بها اجتهاده في الفروع لا الأصول للارتقاء بمستوى تفكيره دون الحجر عليه. وأمام هذه المبادئ الراسخة في نفس كل مسلم، نجد أن بعض الأفراد حاولوا أن يتخطوا هذا الإطار المسيّج بالتعاليم والأحكام الإسلامية ليرسموا لهم إطاراً آخر باسم الإسلام، فاختلفت توجهاتهم وآراؤهم ومواقفهم عنه، وبالتالي أصبحوا خارجين عنه كما يخرج السهم من الرمية. ومن النماذج الشاهدة على هذه الأفكار الشاذة، أفكار الخوارج، وأصحاب العنف والتطرف، والإرهابيين المنظرين لممارساتهم الخاطئة، فكانت النتائج التي كان عليها أصحاب هذه الأفكار أنهم حولوها إلى مشروعات تحت مسميات متنوعة، بعضها باسم الدين، والبعض الآخر باسم الإصلاح، والغالبية لتحقيق مشروعهم السياسي أو الاجتماعي الذي يسعون إليه من حكم العالم، والسيطرة عليه.