هكذا يستقبل ابطال القوات المسلحة الجنوبية اعيادهم    يوم عرفة:    ياسين و الاشتراكي الحبل السري للاحتلال اليمني للجنوب    وصلت لأسعار خيالية..ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي يثير قلق المواطنين في تعز    عزوف كبير عن شراء الأضاحي في صنعاء بسبب الأزمة الاقتصادية    استعدادا لحرب مع تايوان.. الصين تراقب حرب أوكرانيا    إسبانيا تُسحق كرواتيا بثلاثية في افتتاح يورو 2024، وإيطاليا تُعاني لتعود بالفوز أمام ألبانيا    يورو2024 : ايطاليا تتخطى البانيا بصعوبة    لامين يامال: جاهز لأي دور يطلبه منّي المدرب    سجن واعتقال ومحاكمة الصحفي يعد انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والتعبير    عاجل: إعلان عسكري أمريكي يكشف تفاصيل جديدة عن السفينة التي احترقت بهجوم حوثي.. ما علاقة فرقاطة إيرانية؟    مدير أمن عدن يُصدر قرارا جديدا    جريمة مروعة تهز صنعاء.. مسلحون حوثيون ينكلون بقيادي بارز منهم ويقتلونه أمام زوجته!    جماعة الحوثي تقدم "عرض" لكل من "روسيا والصين" بعد مزاعم القبض على شبكة تجسس أمريكية    صحافي يناشد بإطلاق سراح شاب عدني بعد سجن ظالم لتسع سنوات    خطيب عرفة الشيخ ماهر المعيقلي يدعو للتضامن مع فلسطين في يوم عرفة    تعز تستعيد شريانها الحيوي: طريق الحوبان بلا زحمة بعد افتتاحه رسمياً بعد إغلاقه لأكثر من عقد!    ثلاثية سويسرية تُطيح بالمجر في يورو 2024.    - ناقد يمني ينتقد ما يكتبه اليوتوبي جوحطاب عن اليمن ويسرد العيوب منها الهوس    الإصلاح يهنئ بذكرى عيد الأضحى ويحث أعضاءه على مواصلة دورهم الوطني    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    السعودية تستضيف ذوي الشهداء والمصابين من القوات المسلحة اليمنية لأداء فريضة الحج    بينها نسخة من القرآن الكريم من عهد عثمان بن عفان كانت في صنعاء.. بيع آثار يمنية في الخارج    سلطة تعز: طريق عصيفرة-الستين مفتوحة من جانبنا وندعو المليشيا لفتحها    خوفا من تكرار فشل غزة... الحرب على حزب الله.. لماذا على إسرائيل «التفكير مرتين»؟    مأساة ''أم معتز'' في نقطة الحوبان بتعز    انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    وضع كارثي مع حلول العيد    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    شبوة تستقبل شحنة طبية صينية لدعم القطاع الصحي في المحافظة    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    اتفاق وانجاز تاريخي: الوية العمالقة تصدر قرارا هاما (وثيقة)    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    وزير الأوقاف يطلع رئاسة الجمهورية على كافة وسائل الرعاية للحجاج اليمنيين    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    اختطاف الاعلامي صالح العبيدي وتعرضه للضرب المبرح بالعاصمة عدن    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة القصيرة أنموذجاً
واقع الكتابة الدرامية


القصة القصيرة والدراما
الدراما مصطلح مراوغ متجدد المفهوم يتشكل وفقاً لمنابعه،وهو في إطلاقه يمثل فعل محاكاة السلوك البشري وعرضه،في حين يرى بعض الدارسين أنه يمثل الصراع في أي شكل من أشكاله،والصراع يستجلب معه الحركة الدرامية سواء أكانت ذهنية أم جسدية،وأهم مظهر يتشكل منه هذا الصراع هو اللغة،ومدار كل ذلك هو الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى ،والغريب أن هذا المصطلح أول مايُذكر تنصرف الأذهان بشأنه إلى المسرح بشكل أساسي وقد توسع فيما بعد ليشمل الدراما الإذاعية ثم التلفزيونية ولاريب أن المسرح فن يختلف عن باقي الفنون ،بوصفه نصاً مزدوج المعايير والتقنيات،فهو من ناحية نص مكتوب،بيد أنه في الغالب الأعم يُكتب ليُعرض، وهنا تكمن خصوصيته من حيث المعالجة الدرامية،لكننا لو تأملنا هذه الخصوصية سنجد أنها نابعة من معالجة الكتابة المسرحية للصراع الدائر في داخل الإنسان أو من حوله متخذاً لغة الحوار الرشيقة قنطرةً للتعبير عنه،وهو في هذا قد يلتقي مع فنون كثيرة منها الرواية والقصة القصيرة والشعر أحياناً،والذي يهمنا هاهنا هو الخط الذي تلتقي فيه القصة القصيرة مع الدراما ،فليس كل قصة قصيرة صالحة لأن تكون نموذجاً درامياً،فهناك ملامح تبرز هذه الدرامية في القصة القصيرة.
أبرز ملامح بناء الحدث الدرامي في القصة القصيرة
ونعني بالحدث الدرامي هنا بنية الحدث السردي الذي يتشكل من خلال بناء القاص لشخصياته بناءً درامياً متصلاً بمأساويتها أو بكوميديتها ،من خلال الإيقاع الزمني والمفارقة المتصلة بالصراع الدائر بين الشخصيات بوساطة الحوار الدرامي وهو أمر له صلة بالحركة الداخلية للأحداث المتمثلة في الحدث الدرامي إجمالاً ،لهذا سنتناول أبرز هذه الملامح وكيفية تجليها في القصرة القصيرة:
أولاً: بنية الشخصية الدرامية:
فرق أرسطو بين البطل المأساوي والبطل الكوميدي،فرأى أن البطل المأساوي رجل أكبر حجماً من الحياة،في حين أن البطل الكوميدي أقل شأناً من الرجل العادي،والحق أن هذا التقسيم لايهمنا من قريب أو من بعيد،ولكني جعلته مقدمة للحديث عن بنية الشخصية السردية التي تطورت تقنياتها في العصر الحديث منذ أن كتب غوغول معطفه بإتقان،ليجعله رداءً يتدثر به كتاب القصة القصيرة من بعده،متجاوزاً ببطله مفهوم أرسطو للبطل الكوميدي والمأساوي،ليأتي بعد ذلك تشيكوف فيزيد من وهج بناء الشخصية المهمشة ليتجلى البناء الدرامي من خلالها،فسار كتاب القصة القصيرة العربية على هذه السبيل مضيفين إليها أبنية متنوعة حسب تنوع تجاربهم،ولكتاب القصة القصيرة في اليمن عدة سبل في بناء الشخصية القصصية،ولكن الذي يعنينا هاهنا هي الشخصية الدرامية التي تتخلق من ظروف معينة ذات طبيعة مأساوية تنبثق عن أزمة نفسية أو اجتماعية،يشكلها الكاتب كيفما شاء،فقد تكون هذه الشخصية من قاع المدينة على حد تعبير يوسف أدريس تعيش على هامش الحياة،مثل بطل قصة «الوجه المكسور» 1 لمحمد الغربي عمران،فهو «يفضل أن يكون وحيداً،يتجنب الابتسامة..أو النظر إلى عيون من يصادفونه،يتحاشى الأماكن المزدحمة،يحمل ما تبقى من قلبه وعجزه أينما ذهب،دائم البحث عن سر للبكاء !يردد مقولة «الإنسان دمعة» يبدو ثملا على الدوام دونما شراب»2،ثم يتحول الراوي إلى متلصص
يخدش خصوصية هذا المهمّش ،فيصرخ المهمش قائلاً « لماذا تستبيحون وحدتي ،حريتي،وتعتدون على خصوصياتي..والآن أتركوني،ماذا تريدون مني؟هيا تفضلوا ولاتسافروا عبر ظلي مرة أخرى»3،وبناء هذه الشخصية قريب من بناء شخصية «الجمل» في قصة «تقرير قديم عن حادثة اعتقال»4 لعلي عوض باذيب ،فشخصية «الجمل» عُرفت بالانطواء كما عُرفت بالبخل،بيد أن الراوي المشاهد ينفي عن صديقه الصفة الأولى ويتحفظ على الثانية،ولعل لتسمية شخصية هذه القصة ب«الجمل» نصيباً في إبراز دراميتها،فالجمل مشهور عنه الصبر،ولكنه قد ينفجر في لحظة من لحظات التوتر،وكذلك فعل «الجمل = الشخصية» الذي كان يرى في مشاهدة الأفلام السينمائية متعة لا تضاهيها متعة أخرى،فعندما ماتت زوجة السلطان مُنعت الأفراح وكل مايمت إليها بصلة لمدة ثلاثة أيام،ودور السينما شكل من أشكال الأفراح،حينها انفجر الجمل غاضباً وهو الصبور فانطلقت من فمه احتجاجات على شكل سباب موجه لزوج السلطان وللسلطان نفسه،فاعتقل من فوره،ومثل ذلك شخصية «عنبر» في قصة «في الحوش رقم 7» 5لصالح سعيد باعامر،فعنبر يعيش في إطار مدركاته الخاصة فلا يجد الراحة إلا بجوار الريحانة«الشجرة التي أحبها ،يحدق فيها،يناجيها ،يداعب وريقاتها ويتشمم رائحتها الممتزجة برائحة المكان»6،وهذا شكل من أشكال الدفاع الذي تلجأ إليه الشخصية المهمشة ،ومثل ذلك شخصية «محمود توتة» في قصة «مجنون الزقاق المظلم»7لمحمد الزرقة.
وقد تتشكل الشخصية الدرامية من خلال النموذج الملحمي،أي الشخصية المحورية التي تتمحور الأحداث والشخصيات حوله،وهي على النقيض من الشخصية المهمشة،مثل شخصية «دهوم المشقاصي »8لصالح باعامر،وهو شخصية في ظاهرها ملحمية تخوض المغامرات البحرية،سبّاق إلى ركوب المخاطر،وقاربه أول قارب يعانق البحر في رحلة إلى المجهول ،بيد أنه هش من الداخل فهو يخاف الجنّ،حينما يكون بمفرده،وقد تتولد الشخصية المحورية من شخصية عادية لكنها تحمل مؤهلات خاصة مثل شخصية «سلمى» في قصة «الأرض ياسلمى» التي تعيش صراعاً بين الانتماء والتمرد،بيد أن الانتماء ينتصر في داخلها «وفتح باب الغرفة،دخل ابنها الصغير وارتمى في أحضانها وسلمى تهتف بداخلها،سأعلمه كيف الأرض ،بينما كانت المياه تغوص في أعماق الأرض»9.
ثانياً:الإيقاع الزمني
من الأمور التي يتميز بها الحدث الدرامي الإيقاع الزمني الذي يميز بين زمنين هما:زمن الحكاية كما تجري عادة في الواقع وزمن الخطاب الذي يتجلى في الكيفية التي تستغرقه في النص،وقد اهتدى السرديون إلى نموذج لقياس الإيقاع يعتمد على مدى سرعة عملية القص ذاتها،وذلك من خلال المشهد الذي يتكئ على الحوار،بوصفه النموذج الذي يتطابق فيه هذان الزمنان،زمن القول وزمن الفعل، ثم قاسوا على هذا النموذج التباين الواقع بين هذين الزمنين سرعة وبطئاً ،لينتج من ذلك صور للإيقاع الزمني الذي يزيد من توتر الحدث الدرامي على النحو الآتي:
1 الوقفة:وهي تشير إلى توقف زمني كامل في حين يسير النص دون حركة زمنية،ولا يحدث هذا إلا في مقاطع الوصف،ففي هذه الحال تكون مساحة النص لانهائية وسرعة الحدث صفراً.
2 المجمل: وهي تقنية زمنية تعني سرد الحوادث ووقائع يفترض أنها جرت في سنوات أو شهور أو ساعات في صفحة أو فقرة،أو أسطر دون تفاصيل.
3 الحذف :وهي تقنية زمنية تعني القفز على مساحات طويلة أو قصيرة من الزمن السردي دون الإشارة إلى ماوقع فيها من أحداث.
تقل الانحرافات الزمنية في القصة القصيرة بسبب ضيق المساحة فيها،ولكنها تستطيع استيعاب الزمن الدرامي الخاص بها بوساطة تقطيع الزمن على نحو ما صنع وجدي الأهدل في قصة «ولد الكوتشينة»10،تبدأ القصة حينما بلغ الطفل سبعاً وسبعين شهراً في إشارة إلى احتفاظه بسبعمائة وسبع وسبعين ورقة كوتشينة، ثم يعود الراوي عن طريق الاسترجاع الخارجي إلى الحالة المريبة التي انتابته وهو في سن الرابعة وذلك بتخريبه المتعمد للألعاب باهظة الثمن،وجريه في الشوارع بحثاً عن صناديق الكبريت،ثم يقفز الراوي زمنياً وذلك باستخدام كلمات من مثل «وما يزالان يذكران،قبل ذلك بكثير جداً،لم يلاحظا عليه في سنته الأولى،وفي يوم أشرقت فيه الشمس بضوء باهت،وبعد عدة أيام جاءهم زوار،وفي ليلة غرق القمر في محاقه،وفي اليوم التالي نهضا وجلين» ،هذا التقطيع الزمني يزيد من توتر الحدث في القصة،فيكسبها بعداً درامياً مميزاً،وفي قصة «انظر ماذا ترى»11يلجأ أحمد محفوظ عمر إلى تقنية غريبة للدلالة على التقطيع الزمني ،فهو يبدأ القصة بالحاضر «حثني الشيخ آمراً»،ثم يعود إلى سير الأحداث بقوله «قيل أن أبدأ» للدلالة على الاسترجاع،فكررها خمس مرات للدلالة على أزمان سابقة للزمن الحاضر، في تسلسل منطقي بعين على فهم الأحداث..
ثالثاً: الصراع الدرامي:
الصراع الدرامي في أيسر صوره هو صراع بين إرادات إنسانية، تحاول فيه كل إرادة إنسانية مجموعة أو أفراداً كسر إرادة إنسانية أخرى مجموعة أو أفراداً، بيد أن هذا الصراع الدرامي في القصة القصيرة يكون في الغالب الأعم متمثلاً في تناطح الأفكار، معتمداً بشكل أساس على المفارقة وعلى الحوار:
أ المفارقة: تعدّ المفارقة أرقى أنواع النشاط العقلي على حد تعبير سيزا قاسم وأشدها تعقيداً، وتستخدم هذه المفارقة للقضاء على المظهر الزائف ولفضح التضخيم الفكري، والآلية التي تمتطيها المفارقة تكمن في الضحك الناتج عن التوتر الحاد، والضغط الذي يولّد الانفجار، وخير من يمثل هذه النوعية من المفارقة القاص عبدالله سالم باوزير في غير واحد من قصص من مثل «الضيف الكبير» 12 و«التفاح المرّ» و«حسك ومسك وزعفران» «13» وغيرها كثير بيد أن المفارقة الحادة تتجلّى في قصة «الحذاء» «14» التي تفلسف جدلية القوة والضعف مع وضوح هيمنة القوة من خلال العتبة الأساس «الحذاء» ومايستتبع هذا العنوان من مظاهر القوة من النعوت والأوصاف «لقد كان لابساً حذاءً ضخماً» «إن الجنود يميلون إلى الصرامة والعنف» كما تعتمد هذه القصة على المفارقة المقلوبة عندما تعقد مقارنة عجيبة بين النور والظلام، يقول الراوي «ومن بعيد أخذت بعض أعمدة النور تصارع ذلك الظلام لتبدده فلم تفلح إلا أن تضيء لنفسها فقط» وكما هو معلوم أن لكل من النور والظلام قوته الحسية، بيد أن النور يتميز بقوته المعنوية، لأنه يمثل قوة سطوع الحق، في حين أن الظلام يمثل الانخناس معنوياً، ولكن في هذه القصة نعيش مفارقة بينة، فالنور فيها يمثل الضعف في حين أن الظلام يمثل السطوة والهيمنة.
ونجد مثل ذلك في مجموعة «حالة ولادة لمقبرة عتيقة» «15» لخالد الأهدل، فالعتبة الأساس هنا تحيل على مفارقة عجيبة متمثلة في انبثاق الحياة من أحضان الموت، والقصة التي تتبنى المجموعة عنوانها قائمة على مفارقة داراماتيكية فالغول العنكبوتي الذي كان يفرض سطوته وهيمنته على المدينة بالتهام أعز أبنائهم ينتهي به المقام صريعاً على يد طفل صغير فتتوقف الحركة البليدة في المدينة ليشاهد الناس هذا المنظر العجيب «الغول العنكبوتي صريع على الأرض يتخبط في دمه وقد نام طفل على ظهره، بعد أن صنع من الدم المسفوح غطاءً يقيه رياح الخنوع الباردة».
ب الحوار: يعدّ الحوار المظهر الأبرز للدراما، وقد عده أرسطو في كتابه «فن الشعر» الفارق الأساس بين الدراما أي الفن المسرحي وبين الفنون الأخرى بيد أن القصة القصيرة قد تلجأ إلى هذه التقنية بشكلها الدرامي وذلك حين يسود المشهد الحواري فيها، فلا نسمع إلا صوتين يختفي الراوي خلف جمل قصيرة أشبه بالإشارات التي ينثها كاتب المسرحية، فتزيد حدة التوتر الدرامي فيها، وللحوار وظيفة من حيث ارتباطه بشخصية القصة وأحداثها، فهو يعين على تنمية الحدث فيكشف عن الصراع الدائر بين الشخصيات أو الصراع الدائر في داخل الشخصية كما يقوم الحوار بإبراز المظاهر السلوكية والوجدانية التي تموج في أعماق الشخصيات، وذلك مثل الحوار الذي يدور بين صاحب المكتبة وفتاة الجبل في قصة «وكانت جميلة» «16» لمحمد عبدالولي، فإن الحوار فيها يتحول إلى فعل درامي وتتلاحق الأنفاس خلفه لمعرفة ماهية العلاقة بين صاحب المكتبة وبين فتاة الجبل، فصاحب المكتبة يحمل هم هذه الفتاة منذ نزولها إلى المدينة، ويعيش خوف ضياعها منه، في حين أن الفتاة لاتنظر إليه إلا من خلال نظرتها إلى واحد من عشاقها، فالحوار يكشف هذا التوتر الدرامي بين هاتين الشخصيتين، وفي قصة «صنعاء» «17» لمحمد المغربي عمران، يحتل الحوار جزءاً كبيراً من القصة، فيتحول الراوي البطل إلى صوت يحاور صوتاً آخر ليسود المشهد الحواري في عموم القصة ممايعطيها بعداً درامياً، وفي قصة «تاتانيا» «18» يتوهج الحوار مشتعلاً بتوتر درامي، فيتوارى الراوي في جمل قصيرة تزيد من توهج الحوار، ومثل ذلك فعل صالح باعامر في مستهل قصة «أبو الحيود» «19».
فمن خلال الملامح السابقة تكتسب القصة القصيرة دراميتها، فتخرج عن إطار الصوت المنفرد لتحلق في آفاق سيمفونية جماعية منبثقة من تشابك تقنيات الدراما المتصلة بالشخصية والإيقاع الزمني والصراع، وتقنيات القصة القصيرة المتصلة بالتكثيف ووحدة الانطباع واللغة الموحية.......................
الهوامش:
1 ختان بلقيس، محمد الغربي عمران، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، نادي القصة إلمقه، صنعاء، ط 2، 2002م.
2 نفسه، ص20.
3 نفسه، ص22 23.
4 السفر في الذاكرة، علي عوض باذيب، دار الهمداني للطباعة والنشر، عدن 1984م.
5 دهوم المشقاصي، صالح سعيد باعامر، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، ط1، 1992م.
6 نفسه، ص86.
7 كبد الفرس، محمد الزرقة، مطابع روز اليوسف، القاهرة 1976م.
8 نفسه.
9 الأرض ياسلمى، محمد عبدالولي» دار الكلمة، صنعاء، دار العودة، بيروت، ط2، 1978م ، ص88.
10 أفق جديد لعالم أجد «نماذج من أدب التسعينيات القصصي، مؤسسة العفيف الثقافية، نادي القصة إلمقه، صنعاء، ط1، 2000م، قصة «ولد الكوتشينة» وجدي الأهدل «225 232».
11 ياأهل هذا الجبل، أحمد محفوظ عمر، دار الفارابي، بيروت، لجنة نشر الكتاب اليمني، عدن 1978م.
12 ينظر: الأعمال الكاملة، عبدالله سالم باوزير: مجموعة «الحذاء» وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م.
13 نفسه: مجموعة «سقوط طائر الخشب».
14 نفسه: مجموعة «الحذاء».
15 حالة ولادة لمقبرة عتيقة، خالد يحيى الأهدل كتاب الحكمة، منشورات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين صنعاء، ط1،2000م.
16 ينظر: وكانت جميلة محمد أحمد عبدالولي، الصفحات «19 21،25، 27، 28» من مجموعة «شيء اسمه الحنين» دار الكلمة، صنعاء، دار العودة، بيروت ط2، 1978م.
17 منارة سوداء، محمد الغربي عمران «المكتبة السردية» اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، الأمانة العامة، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، ط1، 2004م.
18 القواقع، سالم العبد، مركز عبادي للدراسات والنشر صنعاء نادي القصة إلمقه صنعاء ط1، 2002م.
19 احتمالات المغايرة، صالح سعيد باعامر، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، نادي القصة إلمقه، صنعاء، ط1، 2002م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.