ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    غدر به الحوثيون بعدما كاد أن ينهي حرب اليمن.. من هو ولي العهد الكويتي الجديد؟    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الموسيقى تركب البحر و..تسافر
نشر في الجمهورية يوم 27 - 02 - 2008

الدكتور نزار غانم طبيب يمني عشق الفن والأدب الذي تشربه من خلال والده الأديب والفنان البارز، محمد عبده غانم صاحب الكتاب الأبرز في التوثيق للغناء اليمني "فن الغناء الصنعاني". يعد الدكتور نزار غانم اليوم من أكثر الباحثين الموسيقيين اهتمامًا بتاريخ الموسيقى اليمنية والعربية عموماً وعلى وجه الخصوص العلاقة بين الموسيقى العربية والإفريقية، حيث صدر له مؤخراً كتاب جديد بعنوان "الرقصات الأفرو-يمنية" وهو بحث يتحدث فيه عن التشابه بين الفنون في سواحل الجزيرة العربية ومدن شرق إفريقيا كنتيجة لتثاقف تاريخي ساهمت في خلقه العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية..
للدكتور نزار غانم كذلك العديد من الإصدارات في هذا المجال مثل كتاب "جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج"، "أصالة الأغنية العربية"، وفي هذا يتحدث غانم عن بدايات اهتمامه بالبحث في الموسيقى العربية وبعض النتائج التي توصل إليها.
بداية ما الذي دفعك تجاه الشعر والفن والموسيقى والاهتمامات الأدبية؟
هل لذلك علاقة بالجو الأسري كون والدك هو الأديب محمد عبده غانم؟ - منذ أن عرفت نفسي وأنا قريب من المكتبة ولم أكتب إلا فيما بعد، حيث كانت لدينا مكتبة غنية جدا فطلب مني والدي مرة وأنا في الثانية عشرة أن أرتبها بالطريقة التي أراها وهذه المكتبة كانت غنية بالأدبيات اليمنية الأساسية وهذا التحدي هو الذي فتح مداركي فيما بعد أن هناك أجناساً أدبية وفنية فمثلاً وضعت سلسلة روايات الهلال وقرأتها كلها كقصص والكتب الإنجليزية لوحدها وهكذا.. وكان كثيراً من هذه الكتب عليها إهداءات خاصة بوالدي وهذه العملية التصنيفية التي يدرسونها فيما بعد قد كونت لدي النهم العلمي والمعرفي لأن البيئة أيضا كانت بيئة شعر وفن وموسيقى، وفي عمر الخامسة عشرة كان والدي يعلمنا عزف الأغاني الصنعانية بالعود.. ثم أنا شققت طريقي لأني أنتمي إلى مرحلة عمرية مختلفة .بالنسبة للشعر أيضا كنا أنا ووالدتي الجمهور الأول لمحمد عبده غانم لأنه كان يعرضها علينا أولا، وكنا نعلق عليها فكنت أطلع على هذه القصائد وتكونت لدي ملكة الوزن وبعدها بدأت كتابة الشعر وكنت أعرضها على والدي وكان يضعها جانبا وكنت أوسط والدتي لأعرف رأيه إلى أن كتبت قصيدة عنوانها "هل تذكرين" فقرأها وجاء بصرامته المعهودة وقال "مازال هذا الفتى يهذي ويهذي حتى قال الشعر" وهي المقولة التي قالها جرير لعمر بن أبي ربيعة، وهكذا كانت البداية.
إبداع تعليلي
اهتماماتك الموسيقية كفنان وباحث كيف تعززت وأخذت هذا البعد الذي جعل منك اسماً بارزاً في هذا المجال؟
بالنسبة للموسيقى والآداب بصفة عامة كان الشئ الأسهل بالنسبة لي هو ما أسمية بالإبداع التدفقي وهو أن تكتب مثلا قصة.. فكتبت قصة في البداية بعنوان "فضلا أعطني العنوان" ونشرت وكتبت قصة أخرى "حبيبتي لكل المواسم" و تحول هذا الأمر إلى هاجس لا ترتاح إلا عندما تفرغه وإلا يقلقك..
كذلك القصائد والعزف بدأت ألحن في عمر مبكر ووجدت بعدها أن النقطة الأقوى عندي هي الإبداع التعليلي هذا الإبداع الذي يقوم على الفعل التأملي والنقد ولكى أمتلك أدوات النقد كان علي أن أثقف نفسي موسيقياً من الناحية النظرية كمعرفة المقامات وهكذا فدرست ما يسمى "علم الموسيقى المقارن" ومن خلاله استطعت أن أفهم أن لكل موسيقى بصمتها الخاصة وفلسفتها الجمالية الخاصة فالموسيقى العربية هي إحدى هذه الدوائر الكبيرة ولكن داخل هذه الدائرة لغة موسيقية عامة ولكن هناك لهجات موسيقية مختلفة مثل الشام وجنوب الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وهكذا ولكى أتمكن من تفكيك هذه الأشياء كان لابد من القراءة الكثيرة والتأمل والسفر وأخذ بعض الدورات في النوتة نفس الشيء بالنسبة لاهتماماتي بالأدب استخدمت الأدب أو الشعر والقصة ومن هنا ظهرت بعض الكتب مثل "جسر الوجدان بين اليمن والسودان" وهناك كتب في التاريخ الطبي مثل "مصادر دراسة الطب البديل في اليمن" في الموسيقى جاءت "الرقصات الأفرويمنية" الكتاب الأخير وكذلك "جذور الأغنية اليمنية في أعماق الخليج" و"حمينيات محمد عبده غانم" الذي استعرضت فيه تيار الحداثة في الموسيقى اليمنية الذي نشأ وتبلور في مدينة عدن لأنها كانت تحمل الصفة المدنية وهي الصفة التي شرحها ابن خلدون وتختلف عن الريف وعن البداوة .
لكن ليس بالضرورة بأن نسميها بالأغنية العدنية لأنها تضافرت فيها العديد من العوامل وأصبحت هي اللون الحداثي في الغناء اليمني ليس فقط من حيث اللحن والإيقاع و أيضا الوظيفة الاجتماعية فبعد أن كان الفن محارباً وكانت المكانة الاجتماعية للفنان متدنية وكان يغني أكبر الفنانين في "المخادر" أي في الأفراح وحفلات الزواج بينما الآن وبعد الحداثة أصبحت هناك العديد من المسارح وصارت هناك الفرقة الموسيقية المتكاملة كما تخلصوا من العود رباعي الأوتار ولم يعودوا يعتمدون على الطبل فقط لذلك أصبحوا يقدمون العديد من الفنانين على هذه المسارح المتكاملة.
لبنة قوية
كتاب الدكتور محمد عبده غانم في الغناء الصنعاني هل مثل لك أساس الانطلاق نحو الدراسة في هذا الفن؟
-أكيد هذا الكتاب لكل إنسان هو لبنة قوية ويترك أثره حتى فيما بعد لأن المنهجية الأكاديمية فيه تصل بك إلى مرحلة أنه لا تاريخ بلا وثائق فهذا درس تتعلمه. هذا الكتاب فيه دروس كثيرة، حتى دروس في الوطنية. الأثر الثاني أنه قدم بشكل مكثف للحقب التي كان فيها ازدهار في آلات الموسيقى، إضافة إلى الإشارات التاريخية للعصر الرسولي وعصر بني نجاح .. وكيف أن الآلة تدل على أنه كان هناك فن. فهذا الإسهام قدم خلفية بانورامية عن الموضوع ثم عندما أتى الكتاب إلى الشعر الغنائي الصنعاني نفسه استطاع أن يقنعنا لماذا هو وضع بهذا الاسم علماً بأنه استعرض الإسهامات التهامية والإسهامات الحضرمية في شعر الغناء الصنعاني أما بالنسبة للملحنين والفنانين فالمصادر تصمت عن أكثرهم ولم تبدأ إشارات عن فنانين أو ملحنين إلا في عصر محمد عبد الله شرف الدين وهذا من المتأخرين نوعا ما فهذا الكتاب قدم مرجعية ومن النوع الذي تقرأه أكثر من مره وتعود له لمعرفة الكثير عن الفن الصنعاني بتفاصيله مثل العود الصنعاني القديم وهو "القنبوس" الذي اهتم به المستشرق الفرنسي جان لامبير.
إضافات موسيقية
بصراحة هل تعتقد أن الإصدارات التي تلت كتاب "فن الغناء الصنعاني" لمحمد عبده غانم قد تجاوزته بالفعل كما يقول البعض؟
الإضافة هنا ليست بالمسألة الهينة قد يكون فعلا، البعض طرحوا بعض الآراء ولكن إلى أي مدى ينهض إلى تأييدها دليل وإلى أي مدى هي منهجية وإلى أي مدى تصمد أمام اكتشافات أخرى مغايرة ولكن لاشك في أن الإسهام الكبير الذي قام به الأستاذ الكبير جان لامبير من خلال اهتمامه بالناحية الموسيقية، وكان محمد عبده غانم قد قال في كتابه في الغناء الصنعاني "أنا أترك الناحية الموسيقية للمختصين، فأنا اهتممت بشعر الغناء الصنعاني" وقد تم تقديم لمحات مبدئية عن آرائه في الغناء والناحية الموسيقية ولكن الذي تناولها هو المستشرق الفرنسي جان لامبير ولم يتناولها أحد من داخل اليمن كان هو المفترض وبدون شك لامبير أضاف كماً كبيراً من المعارف خاصة في المناطق التي درس فيها هذا الفن كصنعاء القديمة وتقاليد هذا الفن فيها.
كذلك هناك كلام عن نسبة بعض القصائد كما قال المؤرخ الراحل عبد الله عبد الرحمن الحضرمي والذي قال: إن بعض القصائد التي نسبها الوالد لجابر رزق حسب المخطوطات التي وقف عليها كانت حقيقة للعلامة محمد أحمد ناصر من مدينة زبيد لكن كما ترى أنه هو نفسه رجع وراجع نفسه عندما خطط مخطوطة صنعاء حوت كل فن للمفتي وزمان الصبا للآنسي الابن فرصد بعض القصائد والتي كانت منسوبة إلى مجهول وصحح هذه المسألة، وأنت ترى أن هذه أشياء في الحواشي أما الناحية العروضية في ما يسمى شعر الدائرة الخامسة والذي قال أنه لا يوجد شعر على هذا الوزن إلا في الشعر العربى في الحميميات ومن ناحية أيضا أسلوب تحقيق المخطوطات من ناحية التسمية نفسها الصنعاني هذه أول من قالها هو بعد ذلك دار جدل كبير كما تعرف المرشدي قال: إنها الموشحات اليمنية في صنعاء أو حضرموت وأن هذه التسمية فيها شئ من روح المنطقة نسبة إلى المنطقة، فأنا أعتقد أن هذه هي من تفاعلات الكتاب نفسه يعني ردود فعل ولكن الإضافات التي جاءت قد جاءت في الجانب الموسيقي نفسه والسياق الاجتماعي لهذا الجانب الموسيقي على اليد العالم جان لامبير.
تثاقف متبادل
صدر لك مؤخرا كتاب "الرقصات الأفرو يمنية" إلى ماذا توصلت في هذا البحث فيما يخص العلاقة بين الرقصات في اليمن وأفريقيا، وأي أفريقيا تقصد؟
-أكدت في هذا الكتاب شيئاً هو أن منطقة جنوب الوطن العربي تتميز باللهجة الموسيقية وبالخصوصية وهي في جزء منها ناتجة عن الجغرافيا التي تصنع التاريخ كجغرافيا البحر الأحمر وتاريخ الهجرات الجماعية والانتقال الديموغرافي من وإلى شرق أفريقيا: منطقة زنجبار، كينيا، تنزانيا، الصومال، ليس فقط السودان، السودان اعتنيت به بشكل أكبر قبل هذا في كتاب السومانية لكن هذه المنطقة أيضا قدمت الكثير من المؤثرات في الرقصات الإفريقية الأصل والجذور من حيث الكلمات وسلمها الموسيقى والأدوات المستخدمة فيها والوظيفة الاجتماعية لها فمن حيث جمالية الرؤية لها ممكن أن تميزها فمثلاً رقصة العيالة في دولة الإمارات ورقصة الطمبراء المصاحبة للزار حتى المعتقدات هذه جاءت أساساً من إفريقيا وانتشرت في هذه المنطقة كثيرًا وما حدث هو ما يحدث دائماً في الظواهر الانتروبولوجية إنه تم امتصاصها وإعادة إنتاجها مثلا رقصة الليوا عندما ترقص في جزيرة زنجبار في إفريقيا وهي جزء من تنزانيا ترقص مختلطة رجالاً ونساءً ولكن عندما تراها في اليمن أو في الخليج تجد أنها رقصة رجالية فقط لأن الظروف الاجتماعية المحلية أعادت إنتاجها حتى تتوافق مع باقي منظومة القيم والعادات والتقاليد حيث إنه لا يوجد الرقص المختلط وكذلك تجد دخول الكثير من الكلمات العربية وأساساً السواحلية مليئة بالمصطلحات العربية ولكن الغريب أنك تجد أناساً يغنون بالسواحلي إلى الآن في سيئون وليست المسألة موقوفة على السواحل فقط أيضا في محافظة حجة تجد بعض المناطق فيها رقصة اسمها الخدمي وأما في الخليج وهي منطقة كلها ساحل فقط انتشر هذا الأثر إلى البصرة والبصرة فيها رقصة تسمى الهيوة واللذين يرقصوها يسموا بسودان البصرة تجد هذه الرقصة نفسها في عمان ولكن اسمها رقصة النوبان نسبة إلى النوبة سواء كان من جنوب مصر أو شمال السودان ولكنهم من أفريقيا فحصل تثاقف كبير جدا وأيضا من الاتجاه الآخر فلو سمعت عن فن الطراب في زنجبار لوجدت أن فيه تأثيراً شرقياً مصرياً بشكل خاص لماذا؟
لأن فيه آلات القانون وأسلوب الإيقاع "الوحدة ونص" المأخوذ من مصر وتجد التخت والمرأة الممسكة بمنديل مثل أم كلثوم وترى أن الغناء إفريقي ولكن اللحن سباعي ذو سلم موسيقي عربي .. فإذا التثاقف هو في الاتجاهين ونحن وإفريقيا قد تداخلنا كثيراً ولا يستغرب حقيقة أن يكون هناك مثل هذا الشئ فأنا سميت الكتاب في الهامش"إفريقيانية اليمن الموسيقية" وتصيدت كل الإشارات تقريباً التي تشير إلى هذا وأعتقد أنني إذا قدمتها في أي محاضرة مع النماذج المصنوعة سيخرج الناس وهم مقتنعون أن هناك في اليمن هذا الأثر إضافة إلى وجود ألوان أخرى أكثر أصالة وأصالة هنا بمعنى قدم في التاريخ ولكني لست مع أي نظرية من نظريات النقاء ليس هناك نقاء عرقي لا في اليمن ولا في غيرها ولا هذا النقاء هو المطلوب في الهوية وغيرها بل هو النقاء الروحي هذا النقاء الذي يصبوا الإنسان إليه وليس النقاء السمعي.
أنت هنا تشير إلى تأثير الثقافة والموسيقى الإفريقية على الموسيقى والفنون اليمنية ولكن بالمقابل هل هناك تأثير يمني أو تأثير من جنوب شبه الجزيرة العربية على الثقافة أو الموسيقى الإفريقية؟
-طبعاً مثلاً في السودان منطقة اسمها سواكن قبل أن يكون اسمها بور سودان أنا زرتها وهم يلبسون الفوطة ويسمونها هناك الجرجاب والعمامة ليست مثل العمامة السودانية أبداً ولا الجلابية السودانية الواسعة الشئ الآخر أنهم يقولون أنهم من أصل يمني وهذه الفرقة اسمها فرقة السماكة نسبة إلى صيد السمك وكانوا أيضا يغنوا بمزمار يشبه المزمار اليمني ويغنون به لحناً واضحاً هو سرى الليل وآنا نايم على البحر وألحان أخرى مثل الزمان الزمان أخضر ياليمون الذي كانت تغنيه فرقة أبو أنيس للاصطياد في عدن وهذا أبو أنيس عنده أرث كبير من المواويل البحرية وغيرها، هناك تشابه كبير جداً وهناك رقصة اسمها التربوكة والتي فيها إيماءات جنسية كان المستشرق سير جنت أخذها على بعض الناس في المهرة في سيحوت تحديدا وكان هذا في الأربعينات وطلع هذا في كتابة الذي صدر عام 1951 تحت عنوان "شعر من حضرموت" لكن دهشت أني أجده موجود تماما في تلك المنطقة في السودان وكذلك إذا أخذت كل الموانئ الموجودة في هذا المكان ستجد أن المشترك في أغانى العمل كثير جدا مثل "يحيى عمر قال قف يا زين" ستجد أنها تغني في كثير من الدول مع بعض الاختلافات البسيطة فمثلا تغنيها في مصر في منطقة السويس فرقة اسمها الدمبوطية تغنى بآلة السمسمية ونحن هنا لدينا متحف للآلات الموسيقية اليمنية النادرة من ضمنها آلة القمبوس القديم والسمسمية هذه الآلات مدوزنه بطريقة معينة وعدد معين من الأوتار ونبرة صوتية معينة تعطيها تتجاوب أكثر ما يكون مع البحر كما أنها آلات قويه قادرة على أن تسافر وتتحمل ظروف البحر بينما العود مثلا ممكن أن يكسر بسهولة..
والتأثير المتبادل لا يقف عند هذه الحدود فتجد أن الزار مثلا من الأسماء التي من الواضح أنها أسماء من شرق أفريقيا وخاصة من منطقة النوبة وقد ذكرت هذا في "جسر الوجدان" نقلا عن الأديب الراحل إدريس حنبلة، وأهم فن كلاسيكي معقد يقدم في جزيرة زنجبار وميناء مالندي وفي جزيرة لامو المقابلة للبر الكيني هو فن الطاراب وهي كلمة آتيه من كلمة الطرب بالعربى وهو فن يؤدى بالعود العربي الشرقي وليس كالألحان السودانية التي تؤدى بالعود الخماسي بل هي ألحان مفرطة في شرقيتها وأقرب ما تكون إلى مدرسة عبده الحامولي في تلك الفترة.
دليل مادي
هل بحثت في الملامح المشتركة في الرقصات والموسيقى في شبه الجزيرة العربية وجنوبها تحديدا وشمال أفريقيا؟
-بالنسبة لى أنا لم تتح لي الزيارة الميدانية وهذه تلعب دوراً كبيراً في تحفيز الباحث في تكوين قناعات أولية وبعدها يسندها بأشياء أخرى لكن هناك كتابات في هذا المجال وأنا على اطلاع عليها والتي حاولت بالذات التقارب ليس فقط بين عرب شمال إفريقيا بل أيضا جماعات البربر وجنوب الجزيرة العربية باعتبار أن البربر جاءوا أساساً من جنوب الجزيرة العربية وسار في هذا الاتجاه المؤرخ الراحل محمد حسين الفرح الذي كتب عن هذا واستند على الروايات الموجودة والروايات التاريخية هذه أحيانا تكتسب قدسية ولكن أنا مرجعيتى هي الناحية اللغوية والآثار فهي دليل مادي.
أخيراً هل تعتقد أن الموسيقى العربية في كل الدول العربية تصب من نفس المنبع أم أن هناك اختلافات جوهرية؟
-هي كما يقولون في الفلسفة اختلاف المقدار وليس اختلاف النوع.. وهذا الأمر ينطبق تماما على الموسيقى العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.