تشتهر اليمن بزراعة الفل في المناطق الساحلية، خاصة في فصل الصيف؛ ويتواجد على مدار السنة في منطقة تهامة.. والفل من النباتات العطرية ذات الرائحة الزكية، وبهذه الصفة اكتسب مكانته العالية، حيث أصبح تجارة وحرفة تجذب المئات من الأيادي العاملة التي وجدت فيه مصدراً للرزق، وارتبط الفل بالعادات والتقاليد اليمنية خاصة في حفلات الزواج، كما انه مصدر بهجة للنفس وعامل إلهام.. ويباع الفل بكميات كبيرة يومياً في مختلف محافظات الجمهورية، وفي أمانة العاصمة الذي يصل اليها الفل يومياً من مناطق زراعته خاصة منطقة تهامة، ونلاحظ انتشار بائعي الفل في الشوارع الرئيسية. *ويقول بائع الفل في جولة القيادة طاهر بخيت: "يصل الفل بشكل يومي إلى مركزنا في جولة القيادة، ويعتبر المركز الرئيسي لبيع الفل في أمانة العاصمة ومنه يتم توزيعه إلى بقية بائعي الفل المنتشرين في مختلف الجولات". ويوضح بخيت بأن الفل ينقل من مناطق زراعته بالسيارات المحملة بالحافظات (البرادات) لتحفظه من التلف، ويصل بشكل عقود أو يشترونه حبات زهر. ويضيف: "يقوم عمال مهرة بترصيف حبات الفل في عقود جميلة مختلفة الأحجام مستخدمين الخيط والإبرة بدقه متناهية". ويزداد إنتاج الفل في فصل الصيف الذي يجيء متناسباً مع مواسم الأفراح، ويفضل الكثيرون إقامة حفلات الزواج في أيامه، فيشهد بائعو الفل إقبالاً منقطع النظير لشراء عقود الفل. ويقول بخيت: "في فصل الصيف نشهد إقبالاً كبيراً على شراء عقود الفل، لاسيما الأيام التي تكثر فيها الأعراس، وأيام تخرّج طلبة الجامعة".. ويشير إلى أن أصحاب العرس يشترون الفل بخمسة إلى ستة آلاف ريال. * ويقول بائع الفل هادي يحيى: "تكون أسعار الفل مرتفعة في فصل الشتاء نظراً لقلة المحصول، حيث يصل السعر إلى ألفي ريال للعقد الطويل الأبيض الصافي، وألف وخمسمائة للعقد الطويل الملون بحبات الورد الأحمر في حين يتراوح سعر العقد الوسط بين خمسمائة وسبعمائة ريال". ويضيف: "أما في فصل الصيف فيكون الإنتاج كبيراً وتنخفض الأسعار بحيث يتراوح سعر العقد الطويل بنوعيه الصافي والملون بين 500 و600 ريال والعقد الوسط بين 100 و150 ريالاً". ويستطرد: "نبيع عقوداً مختلفة الأحجام؛ فالعقد الطويل «أبو دش» يبلغ طوله متراً، والعقود المتوسطة الحجم يبلغ طولها نصف متر، وهناك عقود صغيرة الحجم". ويوضح: "هناك عقود تسمى «شريخة» تضوع على رأس العروس، كما أن هناك شَكَّات لحجي وهندي، وعقوداً ملونة بالورد الأحمر وأخرى بيضاء صافية، كما يوفر شَكَّات أخرى حسب طلب الزبون". ويتعرض باعة الفل لمضايقات من قبل موظفي البلدية حسب هادي يحيى، ويقول: "يمنعوننا من بيع الفل في الجولات بدعوى تشويه المنظر العام وعدم المحافظة على النظافة العامة". ويوضح هادي: "إن موظفي البلدية يصادرون ويحتجزون حافظات الفل وهي مليئة بعقود الفل ما يؤدي إلى تلفها ويعرضون تجارتنا للخسارة". ويطالب العاصمة والمسؤولين في البلدية بإيجاد الحل المناسب لمشكلتهم وتركهم لكسب رزقهم بكل حرية ومن دون مضايقات. ويعد الفل من أهم المنتجات الزراعية التي يتنافس أبناء منطقة تهامة على زراعتها لمردوده الاقتصادي على المزارعين والعاملين. * ويشير طاهر بخيت من أبناء منطقة العباسي بيت الفقية الحديدة إلى أن هناك مزارع كبيرة وعديدة في منطقة بيت الفقيه يمتلكها الأهالي. وقال بخيت: "بعد صلاة الفجر يجتمع العمال من أبناء المنطقة كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً في إحدى المزارع وينقسمون إلى فرقتين؛ إحداهما تقوم بقطف وجني حبات أزهار الفل، والأخرى تقوم بتجميعه وترصيف العقود". وأضاف: "وبعد الانتهاء يقوم صاحب المزرعة بتسيلم أجور العاملين وهو عبارة عن عقود من الفل ليبيعوها في السوق". وأوضح: "إن العاملين والمزارعين يبيعون الفل في سوق بيت الفقيه الذي يقام يومياً في الصباح، ويشهد إقبالاً كبيراً على شراء وبيع الفل.. ونتيجة لهذا الإقبال تنفد الكمية ويغلق السوق عند الساعة الحادية عشرة ظهراً". وأشار إلى أن الفل يصدر بكميات كبيرة كل يوم من هذه المزارع إلى المملكة العربية السعودية وينقل بالسيارات ويباع في منطقة جيزان، منوهاً بجودة الفل اليماني الذي يلقى رواجاً كبيراً في معظم دول الجوار. ولنبتة الفل العطرية الجميلة حظ كبير من الفلكلور الشعبي والعادات والتقاليد التي تقام في المجتمع اليمني خاصة في الأعراس، وفي المناطق التي يكثر فيها زراعة الفل. * ويقول حمزة الحضرمي من أهالي حيس الحديدة: "أصبحت العادات والتقاليد المواتية للإعراس في تهامة تتحين مواسم الصيف الذي يكثر فيه الفل وتتفتح حباته فيتزين به العروسان وأهلوهما والأقارب والحاضرون". ويضيف: "يصرف البعض مبالغ تصل إلى عشرات الآلاف على شرائه"، مشيراً إلى أن "أهل العروس يشترطون على العريس شراء ما يلزم حفلة الزفاف من الفل". وتتسابق النسوة في مناطق زراعة الفل في تنسيق وتنميق عقود الفل بمختلف أحجامها وأطوالها التي تزيِّن بها أجياد الفتيات ورؤوسهنَّ في الأفراح وخصوصاً العروس في ليلة زفافها، حيث تكتسي حلة بيضاء من الفل. وأوضح الحضرمي: "لقد اشتريت في عرسي كمية وفيرة من أزهار الفل واجتمعت نساء وفتيات العائلة والجيران وقمن بتنسيق العقود المختلفة". وأضاف: "هناك أنواع عديدة من العقود التي ترتديها العروس ما بين شريخة توضع على الرأس وكبيشة تعلق على جيدها، كما أنه يتم تحضير سلال مليئة بحبات الفل ينثرها الأطفال والنساء على العروس قبل الزفاف وأثناءه". وأشار إلى أن العريس يرتدي عقداً من الفل يصل طوله إلى متر ونصف المتر ويضع على رأسه عصابة من الفل تلف على الرأس بشكل دائري بديع". وذكر الحضرمي أنه اشتقت من زهرة الفل مهنة "المفللة" وهي المرأة التي يوكل إليها غالباً تزيين وتجميل العروس ليلة زفافها بعقود الفل ونباتات عطرية أخرى، مستخدمة في ذلك الإبرة والخيط بمهارة وبراعة فتحول العروس من جميلة إلى أجمل. وبيَّن أنه لا يقتصر استخدام الفل على الأعراس والمناسبات الاحتفالية الأخرى، بل يحرص الكثير من أبناء المنطقة إدخال أزهار الفل إلى المنازل لتعطير أرجائه بأجمل وألطف الروائح. * ويقول الشاب محمد علي: "أحرص على تقديم هدية لأصدقائي ليلة زفافهم فلا أجد أجمل وأطيب من تقديم عقد فل يزين به العريس، متمنياً بأن يحصل على أكثر عدد من عقود الفل تقدم له كهدية ليلة زفافه". * من جانبه يوضح طاهر بخيت بإن كثيراً من الناس رجالاً ونساء يقدمون على شراء الفل وتقديمه كهدايا لأصدقائهم ليلة الزفاف. ويشير إلى أن "عقود الفل اليماني ترسل كهدية إلى دول الجوار خاصة دولة الإمارات العربية إضافة إلى بعض الدول الآسيوية مثل اليابان". والفل من هبات الطبيعة التي أثراها الخالق بأنواع كثيرة وألوان رائعة وزاهية، فطالما كان الفل مصدر بهجة للنفس وعامل إلهام لكثير من الشعراء والأدباء الذين ألفوا قصائد تغنى بها الكثير من الفنانين اليمنيين. ومما يغنى من الحميني قول عبد الرحمن الآنسي في ذكرياته عن تهامة: "وأبيض الفل ذاك الأزهر شبيه ثغر الرشا الأغر ومن صف زهرة ومن تمشقر ورصفه ساعة السمر". ومن أغاني التراث الشعبي الصنعاني: من مشقرك بالفل والياسمين ومن غرس في الخد وردة". ولا ننسى ما تغنى به الفنان محمد مرشد ناجي في أغنيته المشهورة بعنوان "الفل والورد".